* email * facebook * twitter * linkedin شكّل موضوع "التعايش والأبعاد الإنسانية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم"، محور ندوة علمية، سلّط فيها ثلة من الأساتذة والفقهاء الضوء على بعض المحطات في حياة النبي الكريم، التي كرّس فيها قيم التعايش والإنسانية، ليس مع المسلمين والكفار فحسب، بل حتى مع الحيوان والجماد. افتُتحت الندوة العلمية التي احتضنها أمس المجلس الإسلامي الأعلى، بمداخلة للدكتور عبد الرحمان سنوسي رئيس المجلس العلمي أستاذ مختص في أصول الدين بجامعة الجزائر1، الذي أشار في البداية، إلى أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كرس مبدأ التعايش قبل أن تعرفه مختلف الحضارات، هذا المبدأ العظيم في الإسلام المبني على أساس المشاركة والتفاعل الإيجابي مع المجتمع المسلم وغير المسلم. وأوضح المحاضر أنه لا مجال للحديث عن قيم دون أخرى في حياة الرسول الكريم، لأنه كان جامعا لكل القيم؛ فهو الرحمة المهداة. ولعل من بين المواقف العظيمة التي أظهرت المعنى الحقيقي للتعايش في حياة النبي كانت في الحروب، وتحديدا عندما دخل مكة فاتحا وسارع الكفار لطلب العفو، فكان جوابه: "لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء"، موضحا في هذا السياق، أن التعايش مبدأ قرآني كرسه النبي المصطفى في من خلال العهود والعقود التي أبرمها مع الكفار وجسدها في أوقات السلم والحرب. ومن جملة المبادئ التي سبقت كل المواثيق والتي تستوجب الوقوف عندها لعظمتها، يضيف المحاضر، حرية الاعتقاد استجابة منه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: "لا إكراه في الدين"، ومن ثمة فإن كل ذلك كان تأصيلا وتطبيقا عمليا لمبدأ التعايش الذي شهد له به علماء الغرب ووثقوه في كتاباتهم. وقال الدكتور أحمد بالرضوان وزير شؤون دينية سابق لدى تدخله، بأن الحديث عن التعايش السلمي يدفع دائما إلى استحضار سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي أعطى أسمى قيم التعايش بين المجتمعات، "غير أني (يقول المحاضر) أعتقد أن المسلمين عموما اليوم، حذرون جدا عندما يتعلق الأمر بتكريس هذا المبدأ بالنظر إلى الثقل التاريخي الذي أساء إلى لغة التحاور والتعايش وجعل المسلمين يترددون في تكريسه"، مستدلا في ذلك بالحروب الصليبية والحروب الاستعمارية، وما حدث مؤخرا ببعض الدول العربية، مثل سوريا والعراق وما يحدث لفلسطين ومسلمي بورما. كما أشار الدكتور إلى أن التعايش الذي يدعو إليه الغرب ليس ذلك الذي كرسه النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما يحوي في باطنه أهداف وغايات مغايرة لتلك التي يدعو إليها الإسلام؛ بمعنى أن "المقصود من التعايش هو أن يتبنى المسلمون أمورا يرفضها دينهم، كما يدعو إلى تقبّل كثير من السلوكات الشاذة تحت غطاء التعايش؛ كزواج المثليين والإجهاض وتناول بعض المخدرات وغيرها من الأمور التي تسعى بعض الطوائف إلى تجسيدها. من جهته، أوضح الدكتور محمد بن عيواز أستاذ بجامعة الجزائر تخصص مقارنة الأديان لدى تدخله، أن الدين ظاهرة كونية تتحكم في الإنسان وحضارته كما تتحكم الجاذبية في المادة، وبالتالي فالدين أمر مطبوع بالشمولية، وهو ما تشير إليه النصوص القرآنية التي كرسها النبي الكريم عمليا في حياته، ممثلة في قيم التعايش والتسامح. من جهته، عدّد الدكتور كمال بوزيد بعض القواعد الكلية في التعايش التي أرساها الرسول الكريم، ومنها: قيمة المواطنة التي تعني قبول الآخر والتعايش معه بكل ما يحمله من اختلاف في المعتقد أو التقاليد أو التوجه، وهي التي أرساها الرسول الكريم، ممثلة في التسامح والرحمة والاحترام والعفو والدعوة إلى الله، بينما تتمثل القيمة الثانية في الاحترام؛ كاحترام آدمية الأفراد؛ حيث جاء في معنى الحديث أن الرسول الكريم اعتبر كل من يسيء لآدمية الآخر يكون حجيجه يوم القيامة، للدلالة على قيمة الأشخاص، وتكريس المبدأ الديني في قوله تعالى: "ولقد كرّمنا بني ادم"، إلى جانب عدد من القيم الأخرى ممثلة في الحرية بعدم الإكراه في الدين والعدل في الحكم بين الناس، وقيمة البر وحسن المعاشرة التي تحث على تجنب إيذاء الغير، وتفعيل قيم التسامح، ولعل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من القصص التي تحث على هذه القيم، ومنها قصة اليهودي الذي كان يرمي نفاياته أمام باب النبي، وعندما مرض كان الرسول الكريم أول من زاره ليطمئن عليه، ويختم بالقول إن الدين الإسلامي الدين الوحيد الذي جسّد مبادئ السلم والتعايش الحقة.