لم يعمر وقف إطلاق النار الذي أقرته إسرائيل مؤخرا من جانب واحد ووافقت عليه فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أكثر من عشرة أيام مما يؤكد هشاشة هذا القرار وصعوبة التحكم فيه مادامت حكومة الاحتلال لم تسحب كامل قواتها من القطاع. وقتل أمس جندي إسرائيلي وأصيب ثلاثة آخرون من بينهم ضابط في انفجار عبوة ناسفة استهدفت دوريتهم قرب الحدود جنوب القطاع بمنطقة كيسوفيم في حين استشهد فلسطيني برصاص قوات الاحتلال التي ردت بإطلاق نار عشوائي على مزارعين فلسطينيين في منطقة خان يونس. وسارع وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك إلى التهديد بالرد على هذا الهجوم ووصفه بالخطير وقال أنه "لا يمكن القبول به وسنرد" من دون أن يفصح عن التوقيت أو الكيفية التي سيتم الرد بها قائلا "ليس مناسبا أن نقول كيف". وتأتي هذه العملية لتزيد من هشاشة وقف إطلاق النار الهش أصلا وتزيد من تعقيدات سير المفاوضات التي ترعاها القاهرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بغرض تثبيت وقف إطلاق النار والتوصل إلى تهدئة طويلة في قطاع غزة. والمؤكد أن تهديد ايهود باراك لا يمكن إخراجه عن إطار التصعيد ضد المقاومة الفلسطينية الذي تسعى إليه كل الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة في الانتخابات التشريعية المقبلة لاستخدامها كورقة رابحة في هذا الموعد الانتخابي خاصة وان نتائج استطلاعات الرأي أظهرت في الفترة الأخيرة تقدم اليمين المتطرف بقيادة حزب الليكود. وكان زعيم حزب الليكود بنيامين نتانياهو تبنى مواقف أكثر تشددا إزاء المقاومة الفلسطينية بعدما انتقد بشدة قرار حكومة أولمرت إنهاء الحرب الأخيرة على قطاع غزة من دون تحقيق كامل الأهداف المسطرة وفي مقدمتها تغيير الوضع القائم في إشارة إلى القضاء على حركة المقاومة الإسلامية. وهي الأهداف المعلنة للحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة والتي خاضها الثلاثي المجرم رئيس الوزراء ايهود اولمرت ووزير دفاعه ايهود باراك ووزيرة خارجيته تسيبي ليفني لحسابات سياسية بغرض تعزيز مكانتهم في نظر الناخبين الاسرائيليين لافتكاك اكبر عدد من المقاعد الممكنة في الكنيست خلال الانتخابات التشريعية المقبلة. وسيجد ايهود باراك في هذه العملية مبررا آخر لاستعادة شعبيته المفقودة أمام غريمه بنيامين نتانياهو في وقت بلغت فيه المنافسة أوجها بين مختلف الأحزاب السياسية الإسرائيلية. ويأتي هذا التطور في الوقت الذي انتقد فيه رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية إرسال فرنسا فرقاطة قرابة شواطئ غزة بهدف المشاركة في مكافحة تهريب الأسلحة إلى داخل القطاع عبر البحر. وقال هنية: "كنا ننتظر من فرنسا بلد الحريات والعدالة والأخوة أن تقوم بإرسال مستشفيات متحركة لمعالجة أطفال غزة الذين أحرقت أجسادهم الضعيفة الأسلحة المحظورة دوليا أو إقامة جسر إنساني لفائدة شعبنا المحاصر منذ عامين بدلا من نشر بواخر حربية لتعزيز الحصار". وكانت الفرقاطة الفرنسية "جرمينال" نفذت بداية الأسبوع مهمة في إطار مكافحة ما تدعيه إسرائيل بتهريب الأسلحة عبر أنفاق سرية من سناء المصرية إلى داخل القطاع وعبر البحر أيضا. وتباشر مهامها في المنطقة بالتعاون مع حكومة الاحتلال والقاهرة التي وجدت نفسها مرغمة على المشاركة في مكافحة ما تدعيه إسرائيل بتهريب الأسلحة إلى داخل القطاع. وعبر إسماعيل هنية عن أسفه للانتقادات شديدة اللهجة التي وجهها المفوض الأوروبي للتنمية جورج ميشال لحركة المقاومة الإسلامية بعدما حملها المسؤولية الكاملة في مقتل المدنيين في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة. وقال هنية "لقد استغربنا الموقف الأوروبي الذي حمل الضحية والشعب الفلسطيني مسؤولية المأساة التي لحقت بأهل غزة على يد الآلة العسكرية الإسرائيلية".