"المحبوس أخ الكشاف وصديق الجميع" .. على ضوء مفاهيم التعاون وإنقاذ من ساروا ذات يوم في درب الخطيئة، تعمل الكشافة الإسلامية الجزائرية منذ2003 على فتح آفاق جديدة للمسبوقين قضائيا، تقودهم إلى طريق العطاء، وتبعدهم عن بؤر الانحراف والعود الإجرامي بناء على إجراءات عملية أسفرت عن إدماج أكثر من 126 محبوسا منذ 2006 إلى حد الساعة. وعن خصوصيات تجربة الكشافة في هذا المجال كان ل"المساء" لقاء مع المنسق الوطني لإدماج المساجين بالكشافة الإسلامية الجزائرية السيد عبد الغني عميار. سعت الكشافة الإسلامية الجزائرية - تبعا لتصريحات السيد عميار - إلى تجسيد فحوى المرسوم الرئاسي الصادر بتاريخ 19 ماي 2003، والذي أضفى عليها صفة المنفعة العمومية من خلال تسطير جملة من المشاريع، من ضمنها مشروع إدماج المحبوسين، وانطلقت التجربة الأولى في هذا المجال بعد إبرام أول اتفاقية مع المديرية العامة لإدارة السجون في 27 جويلية 2003، ليتمخض عنها الشروع في العمل داخل ثلاثة مراكز لتربية الأحداث وإعادة إدماجهم في كل من وهران، سطيفوالجزائر من خلال تنظيم نشاطات ثقافية، تحسيسية، مخيمات صيفية وحملات وطنية للتشجير. ونظرا للتجاوب الكبير الملموس من طرف المحبوسين، والذي يعكسه تغيّر سلوك الأحداث، وطبقا لما أبرزته تقارير المديرية العامة لإدارة السجون، اقترحت هذه الأخيرة تعميم التجربة على 48 ولاية، وبموجب ذلك أبرمت الكشافة الإسلامية الجزائرية اتفاقية في جويلية 2007 لتوسيع نطاق عملها، فبالإضافة إلى العمل مع الشباب الذين يقل سنهم عن 30 سنة، أصبحت الكشافة تقوم بأنشطة تضامنية مع المحبوسات تكفلت بها القائدات. ومن أهم بنود الاتفاقية متابعة المساجين بعد الإفراج عنهم عن طريق فتح مراكز يسيرها قادة كشفيون مؤهلون، وهي مجهزة من طرف المديرية العامة لإدارة السجون وبالتنسيق مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، وبموجب ذلك تمكنت الكشافة من فتح ثمانية مراكز على المستوى الوطني إلى حد الساعة، إذ تتواجد المراكز في كل من: وهران، مستغانم، البليدة، عين تموشنت، تلمسان، سطيف، المدية وشلف بعد أن نظمت الكشافة الإسلامية الجزائرية بالتنسيق مع المديرية العامة لإدارة السجون ثلاث ورشات وطنية استفاد منها أكثر من 190 قائدا كشفيا. علما أنه ينتظر في نهاية فيفري الجاري فتح ثلاثة مراكز في كل من تيسمسيلت، باتنة وبسكرة، على أن تستحدث في نهاية 2009 في25 ولاية. وتكمن مهمة هذه المراكز في متابعة المحبوسين -الراغبين في ذلك - الذين تبلّغ عنهم إدارة السجون 30 يوما قبل الإفراج عنهم، ليتم تسجيلهم في مجالات التكوين والتعليم، مع متابعتهم بالتنسيق مع السلطات المحلية، مما أسفر عن إدماج 15 محبوسا سنة 2006 و85 محبوسا سنة 2008، من ضمنهم اثنان تم تشغيلهما في مؤسسات خاصة وامراة تم إعادتها إلى وسطها العائلي. ودعمت الكشافة مهامها - يقول ذات المصدر-بتنظيم مخيمات صيفية استفاد منها أكثر من 200 حدث في كل من الجزائر العاصمة، وهران، سكيكدة، مستغانم، بجايةوتلمسان، ونظرا للنتائج الإيجابية التي حققتها المخيمات الصيفية، ستبادر الكشافة بتنظيم أول مخيم ربيعي في مارس2009 بقالمة (حمام دباغ)، والذي سيشهد نشاطات متنوعة وخرجات ومنتديات حول أسباب الجنوح ومستقبل الأحداث بعد الإفراج عنهم. ولدى تقييمه لمدى نجاح تجربة الكشافة في إدماج المحبوسين، ذكر المنسق الوطني لإدماج المحبوسين في معرض حديثه أن تغيّر ذهنية المسجونين وندمهم على الجريمة يتجلى من خلال العدد الكبير المسجل في فروع التعليم والتكوين، غير أن هذا لا ينفي أن الوصول إلى الغاية المنشودة في إطار الإدماج مرهون بتظافر جهود كافة أطراف المجتمع المدني. وبالمقابل هناك عدة مؤشرات تدل على أن تجربة الجزائر عموما في إدماج المحبوسين تعرف تقدما ملحوظا بعد أن تفتحت السجون الجزائرية على المجتمع المدني والحركة الجمعوية. وفي هذا الصدد - يصرح المسؤول - أظهرت تقارير أنجزت تخص 127 مؤسسة عقابية على المستوى الوطني تسجيل تحسن كبير في الوسط العقابي من حيث التكفل الصحي والنفسي. وكذا من حيث التعليم والتكوين خلال الفترة الممتدة من 2003 إلى 2009 . مضيفا أنه عرض في أكتوبر 2008 تجربة الجزائر، التي تعد الأولى على المستوى الإفريقي والعربي، وذلك في بريطانيا في إطار دعوة وجهت للكشافة من طرف المركز البريطاني لدراسات السجون التابع لوزارة الخارجية والكومنولث البريطاني، كما تم عرض التجربة الجزائرية في مصر، حيث تبنتها السعودية التي تعد أول دولة تحذو حذو الجزائر، وعلاوة على ذلك نظمت الكشافة الإسلامية الجزائرية بالتنسيق مع الكشافة العربية اللقاء ال 11 للمفوضين الدوليين (ضم14دولة) حيث زار الوفد المصلحة الخارجية لإعادة الإدماج بالبليدةوالجزائر.. وكانت نتيجة ذلك إعجابه بمستوى السجون الجزائرية من حيث الرعاية ومن حيث انفتاحها، وبناء عليه تقرر تنظيم ورشة دولية حول إدماج المساجين بالجزائر سنة 2010 لعرض التجربة الجزائرية وتصديرها إلى البلدان العربية والغربية. ويبقى السؤال المطروح، هل ستسمح هذه المجهودات المبذولة بإزالة نظرة المجتمع السلبية تجاه هذه الشريحة، والتي تعد أكبر عقبة في طريق الإدماج؟ وبهذا الخصوص أجاب السيد عبد الغني عميار أنه لا يتعين على المجتمع أن يعاقب المسجون مرتين بواسطة نظرته السلبية، وأنه لا يجب أن ينسى بأن أي شخص منا معرض لأن يكون في مكانه، باعتبار أن الجريمة تتحكم فيها عدة متغيرات ترتبط بالأحوال الاجتماعية، البطالة، الأمية والجهل.. وبدلا من النظرة السلبية يجدر العمل وفقا للشعار القائل: "لابد أن نشغل المحبوسين بما هو نافع أحسن من أن يشغلونا بما هو ضار"، وهو ما تسعى الكشافة حاليا إلى تجسيده من خلال تنظيم ندوات ولائية لتقبل المحبوسين في المجتمع، وللإشارة فقد سبق وأن تم تنظيم ندوتين في كل من البيض ومستغانم.