لم يتردد بعض الفرنسيين ممن كانوا في صفوف القوات العسكرية الفرنسية في الجزائر إبان حرب التحرير من الشهادة ضد بلادهم واصفين إياها »بالدولة التي خانت أبناءها« كان ذلك ابان عمليات تفجير القنبلة النووية الفرنسية في الجنوب الجزائري في سنة 1960. شهادات حية أخرى أدلى بها أهالي رقان ممن عايشوا الحدث والتي هددتهم فرنسا حينها بكتمان ماجرى، كلها تفاصيل تضمنها الفيلم الوثائقي »اليربوع الأزرق« لجمال وهاب الذي نشط أمس، ندوة صحفية بقاعة »فرانس فانون« رفقة شهود الحدث الجزائريين منهم والفرنسيين. إستطاع هذا الفيلم الوثائقي الذي يصفه صاحبه بالشريط العلمي البعيد عن آية حسابات أوأيديولوجية أوحساسية التاريخ المشترك بين فرنساوالجزائر، برصد مأساة شعب دفع غاليا أخطاء المستعمر ولا يزال يدفعها الى يومنا، مؤكدا انه أراد من خلال عمله تجاوز التسجيل التاريخي الميكانيكي ليطرح موضوعا قادرا على مخاطبة وفرض رؤية على الأسلحة الدولية لذلك فقد تمت الاستعانة بخبراء دوليين مختصين في الطب والجيولوجيا والقانون وغيرها من الاختصاصات، والذين أكدوا على أن الجنوب الجزائري وبالتحديد مناطق رقان ملوثة إشعاعيا مؤكدين وجود اليورانيوم بها وهوالخطر الذي سيستمر في تهديد حياة السكان -في حال إهماله- الى 42 مليون سنة آتية، بل أكثر من ذلك فان الخطر سينتشر أكثر وتمتد آثاره الى أقصى الجنوب والى الحدود مع النيجر ومالي خاصة مع العواصف الرملية والعدوى ( أي حمل الاشعاع بواسطة المصاب)، إضافة الى الآثار السامة على المزروعات والمياه والهواء وكلها أمور أكدها المختصون الأجانب. لا تزال بعد 50 سنة من التفجيرات تظهر حالة مرضية لم تكن موجودة خاصة تشوهات الأطفال والسرطانات. عرض المخرج القانون الفرنسي الذي ينص على حق المصابين الذين ثبتت إصابتهم في التكفل والتعويض، إلا أن فرنسا لم تسع يوما الى تطهير المنطقة من هذه السموم لا قبل ولابعد الاستقلال ولم تلتفت الى الضحايا ولم تكلف نفسها فتح أي تحقيق بهذا الشأن مما يجعل مهمة معرفة آثار الانفجار غير دقيقة. وعلى الرغم من المجهودات التي قامت بها الجزائر من خلال غلق المنطقة وحصارها والتعاون مع المجتمع الدولي بطلب الاهتمام وفعل ما يجب فعله إلا أن هذا المسعى وحده لايكفي، ثم سخر المخرج من فرنسا بقوله »كان على الجزائر أن تفرض عليهم تطهير هذه المنطقة وتسليمها نظيفة كما وجدتها عند استعمارها لها تماما كما يفعل أي أجير عندما يغادر شقة تملكها يوما لا يجوز له تهديمها والعبث بها«. ثم طالب المخرج بفتح المجال خاصة في الأرشيف أمام المؤرخين والخبراء سواء من الفرنسيين أوالجزائريين كما فعلت دول أخرى عاشت نفس المحنة. شاهد حي على التفجيرات، الأستاذ حمادي أحمد، الذي كان عمره حينها 23 سنة قال »فرضوا على عائلات رقان حبس نفسها في غرف مظلمة ومغلقة لايعبرها النور كان ذلك تحت حراسة عسكرية وعند الانفجار شوهد ضوء هائل لم يشاهد من قبل وسمع انفجار وكأنه القيامة، علما أن المسافة من مركز الانفجار كانت بعيدة (48كلم) أما البدو الذين كانوا في الخارج فقد أصيبوا بالعمى، ثم صرح أحد المسؤولين العسكريين لحمادي الذي كان يعرفه بأن بعض الجنود ماتوا، وعليه كتمان السر وإلى تعرض للتصفية. تكتمت فرنسا عن الخسائر إلا أن فتح ملفها الخبراء والصحفيون الذين وفدوا للمنطقة بعد الاستقلال، ليجدوا عتادا وتجهيزات ملوثة مرمية هنا وهناك. شهادة أخرى لجندي في الجيش الفرنسي هو جيرار (بطل رياضي عسكري) الذي يعيش بالجزائر والذي كان عمره وقتها 20 سنة فقد عمل ضمن الشباب الذين أدوا الخدمة العسكرية بالجزائر ووعدتهم فرنسا حينها أنها ستخلصهم من عملهم في جبال الجزائر الشمالية الثائرة والجبهات الساخنة لترحلهم الى الجنوب الساحر وظن هؤلاء أنها رحلة صيد ونزهة لكنهم لاقوا مصيرا مأساويا، حيث تعرضوا لآثار القنبلة عند عملهم في إحدى القواعد النووية وبعضهم توفي بعدها بسرطانات وأبناؤهم اليوم يطالبون برد الاعتبار والتعويض، وأشار قائلا » لقد خدعت فرنسا أبناءها« ثم قدم مجموعة من الصور التذكارية مع زملائه في رقان، وقرأ رسالة لجندي بعثها إلى والديه يظهر فيه ما أصابه في رقان. انه الانفجار الذي بلع السماء وأعمى الأبصار، لذلك فان المخرج والمنتج سيعرضانه على بعض القنوات الفرنسية والجزائرية مجانا لتعم الفائدة والتحسيس. للتذكير فان أحياء تفجيرات رقان يتضمن عرض شريطين آخرين هما »كم أحبكم« للراحل عز الدين مدور و»زوبعة رملية« للعربي بن شيحة وذلك ضمن هذه الدورة التي تحمل عنوان »رقان حبي«.