تشهد العديد من المواد الغذائية واسعة الاستهلاك، ارتفاعا غير مبرر في أسعارها، والتي يكتشفها المواطنون يوميا لدى تجار البيع بالتجزئة؛ ما جعل الكثير من المستهلكين يعبّرون عن تذمرهم من هذه الزيادات، التي تأتي في ظروف صعبة، نتجت عن الأزمة الصحية، التي انعكست سلبا على العديد من العائلات، مطالبين بتدخل الجهات الوصية، وعلى رأسها وزارة التجارة، بتكثيف الرقابة لضبط السوق، ووضع حد للانتهازيين من التجار. وهو المسعى الذي شرع فيه أعوان الرقابة التجارية، مؤخرا، حسب توضيحات بعضهم ل"المساء"، حيث أكدوا أنهم تلقوا تعليمة من وزارة التجارة، من أجل تكثيف الرقابة والاطلاع على الفواتير، لمعرفة أسباب الزيادة في الأسعار، والتي اتضح، مثلما أكدوا، أن مصدرها باعة التجزئة، الذين يرفعون السعر مثلما يحلو لهم. ورغم العمل الميداني الذي يقوم به أعوان الرقابة على المستوى الوطني، فإن المواطن يكتشف يوميا زيادات في أثمان عدة مواد واسعة الاستهلاك، والتي تباينت الآراء حول أسبابها الحقيقية. ففي الوقت الذي يرجعها البعض إلى انهيار قيمة الدينار في الفترة الأخيرة، والرسوم المفروضة على المستوردين، فإن آخرين يرون أنها تعود للأزمة الصحية، والمضاربة، والاحتكار الذي أصبح السمة الغالبة على تصرفات التجار. وفي جولة استطلاعية قامت بها "المساء" إلى عدد من المحلات والمساحات التجارية الخاصة بالمواد الغذائية للبيع بالتجزئة، أكد أصحابها أن الكثير من السلع ارتفع سعرها بدون تقديمهم مبررا لذلك، أهمها بعض مشتقات الحليب، والعجائن، والزيت والسكر الذي ارتفع سعره ب 5 دج في الكلغ الواحد رغم أنه من المواد المدعمة، والطماطم المصبرة، والحبوب الجافة، منها الفاصولياء، والعدس الذي ارتفع سعره إلى 190 دج للكلغ الواحد من نوع "غاريدو"، و150 دج عوضا عن 130 دج لأنواع أخرى من هذه المادة؛ إذ تتراوح هذه الزيادات، حسب التجار، ما بين 5 دج و30 دج. وتأتي العجائن في مقدمة المواد التي شهدت مؤخرا ارتفاعا في الأسعار، منها المعكرونة، التي شهدت زيادة تتراوح بين 20 و30 دج في علبة 500 غ، وعلب حليب الأطفال ب 30 دج، وعلب الحليب سعة لتر واحد، التي عرفت زيادة ب 10 دج، وعلبة خليط الحليب بالشوكولاطة للأطفال ذات الحجم الصغير ب 5 دج، وعلب القهوة ب 5 دج، وقنينات الزيت بسعة لترين، و5 لترات ب 10 دج و30 دج. كما ارتفع سعر مختلف مواد التنظيف ليتراوح ما بين 10 و20 دج، وهو الارتفاع الذي قال عنه بعض المختصين والشركاء، إنه غير مبرر، ويستدعي تدخّل الوصاية لضبط الأمور، خاصة بالنسبة للمواد المدعمة. أحمد زغدار رئيس لجنة المالية بالبرلمان: ارتفاع في أسعار البورصة العالمية وتراجع الدينار وفي تعليقه على الارتفاع الذي تشهده أسعار عدد من المواد الغذائية، أوضح رئيس لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني أحمد زغدار ل "المساء"، أن هذا الارتفاع راجع إلى نقطتين أساسيتين، هما ارتفاع أسعار بعض المواد في البورصة العالمية، وارتفاعها أيضا خلال هذه الفترة على المستوى العالمي، فضلا عن التراجع الكبير في قيمة الدينار مقارنة بسعر الصرف. واعتبر المتحدث أن هذا مشكل كبير يؤثر على الأسعار؛ حيث سيفقد الدينار حوالي 20 بالمائة من قيمته مقارنة بالعملات الصعبة؛ إذ تراجعت قيمة الدينار، بينما الأسعار العالمية ارتفعت، خاصة المتعلقة بالبقول الجافة. عصام بدريسي (الاتحاد العام للتجار والحرفيّين): خلية يقظة مشتركة مع الوزارة لاستشراف السوق من جهته، تأسف الأمين العام الوطني ورئيس الديوان بالاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين عصام بدريسي، في تصريح ل "المساء"، عن تسجيل هذا الارتفاع غير المبرَّر في بعض المواد الغذائية واسعة الاستهلاك، معتبرا أن هذا تصرف غير معقول وغير مقبول، خاصة في ظل الظروف الصحية الاستثنائية التي تمر بها البلاد، والتي تتميز بتفشي فيروس كورنا ككل دول العالم، مشيرا إلى تسجيل في الفترة الأخيرة، ارتفاع طفيف في سعر العجائن، قُدر ما بين 5 و20 دج، بسبب قرار وزارة التجارة عدم السماح بصنع العجائن بالقمح المدعم؛ ما جعل هذه المواد عرضة للمضاربة والاحتكار من طرف بعض أشباه التجار، الذين يتبرأ الاتحاد منهم، موضحا أنه تم تدارك الوضع بعد تأجيل العمل بالقرار من طرف وزارة التجارة، وإغراق السوق بالمواد الأولية لصنع العجائن. وحسب المتحدث باسم الاتحاد الذي يضم تحت لوائه الفيدرالية الوطنية لأسواق الجملة والتجزئة للمواد الغذائية والفيدرالية الوطنية للحوم الحمراء والبيضاء ومشتقاتها، فإن ارتفاع سعر الزيت والسكر غير مقبول تماما، بل مخالف للقانون، ويعاقب عليه؛ كون سعر السكر والزيت مدعم، حيث ندد بهذه الزيادة التي أصحابها معروفون، وهم يحتكرون سوق الزيت والسكر منذ سنوات. وطالب بتدخل الحكومة لفرض القانون وحماية القدرة الشرائية للمواطن، مؤكدا في نفس الوقت، أن السوق يخضع لمعادلة العرض والطلب، خاصة ما تعلق بارتفاع أسعار المواد الغذائية المستوردة مثل البقوليات والخضر والفواكه، بالإضافة إلى عوامل أخرى، مثل انخفاض قيمة الدينار، وتوقف الاستيراد بسبب إغلاق الحدود بعد الأزمة الصحية. وفي هذا الصدد أشار المتحدث إلى أن الاتحاد يسعى بالتنسيق مع وزير التجارة، إلى التحكم في الوضع؛ من خلال وضع خلية يقظة مشتركة لاستشراف السوق والتحكم في الأسعار والندرة خلال أي طارئ؛ باستباق الأحداث، وتضليل كل العقبات، فضلا عن وضع أسعار مرجعية للمواد الضرورية حسب كل منطقة وفصل؛ بهدف تنظيم القطاع، والقضاء نهائيا على فوضى الأسعار، وإرجاع الثقة بين التاجر والمستهلك؛ إذ يعمل الاتحاد على تجسيد ذلك مع جميع الشركاء تحت إشراف وزير التجارة؛ من أجل أخلقة العمل التجاري. محمد تومي (الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين): على الوصاية التدخل لضبط السوق من جهته، أرجع المدير التنفيذي للفيدرالية الجزائرية للمستهلكين محمد تومي في تصريح ل "المساء"، ارتفاع أسعار عدة مواد، إلى وجود مضاربة وانتهازية من بعض التجار، واستغلال مرحلة الوباء التي يواجه فيها أعوان الرقابة ضغطا كبيرا، مشيرا إلى أن الفيدرالية بلّغت وزارة التجارة بهذه الزيادات غير المبررة وحماية المستهلك، الذي أصبح ضحية هؤلاء الانتهازيين، الذين يستغلون الظروف الوبائية لاستنزاف جيوب المواطنين. وحسب المتحدث فإن الزيادات التي مست العجائن، راجعة إلى إعلان سابق للوصاية عن نيتها رفع دعم القمح بنوعيه اللين والصلب، الذي يُعد المادة الأولية لصناعة العجائن، والذي أدى إلى زيادة في السعر من قبل أصحاب المطاحن، رغم أن الوزارة تراجعت عن تطبيق القرار، مضيفا أن الزيادة مست حتى المواد المدعمة؛ كالسكر والزيت، وكذا الخضر والفواكه الموسمية؛ ما يستدعي تدخل الجهات الوصية لضبط السوق، ووضع حد للانتهازيين والمضاربين. منوار، جمعية "أمان" لحماية المستهلك: ارتفاع الأسعار راجع لغياب الرقابة أما رئيس جمعية "أمان" لحماية المستهلك حسان منوار، فأوضح ل "المساء"، أن سبب الزيادة يرجع للمضاربين، الذين يستغلون الوضع لرفع السعر في أسواق الجملة، وكذلك تجار الجملة، الذين ينتهزون الفرصة من أجل الربح، في غياب الرقابة على سياسة التسويق، انطلاقا من المنتج إلى المستهلك؛ فكل طرف يتصرف مثلما يحلو له، حسب المتحدث، الذي أشار إلى أن مراقبة الأسعار تتم بوجود أسواق منظمة، بعيدة عن الفوضى. وفي هذا الصدد ذكر منوار أن جمعيته طالبت عدة مرات وزارة التجارة، بإعادة فرض إعلان وإشهار الأسعار؛ إذ رغم وجود 9 آلاف مراقب عبر التراب الوطني وتوفر مختلف الوسائل، غير أنهم غير قادرين على فرض وتطبيق الإجراء الخاص بإعلان الأسعار، وفرض عقوبات على التاجر المخالف لذلك. كما طالبت ذات الجمعية، حسب رئيسها، بإعلان الأسعار يوميا بمداخل الأسواق والإذاعات المحلية؛ حتى يطلع عليها المواطن، مؤكدا أن التجار والمتعاملين الاقتصاديين والمنتجين، يتحججون بارتفاع الرسوم وانخفاض الدينار والظروف الصحية، غير أن السبب الحقيقي هو محاولة هؤلاء تعويض الخسائر الناتجة عن توقفهم عن النشاط لفترة بسبب الوباء؛ ما يستدعي تدخّل السلطات لتوقيف المضاربة ورفع الأسعار من قبل التجار، الذين يحاولون تعويض الخسائر التي تكبدوها بسبب وباء كورونا.