دخلت إدارة الجمارك سباقا ضد الساعة بهدف الانتهاء من إعادة هيكلة المنظومة الجمركية من أجل وضع مقاربة متكاملة لعمل مختلف مصالحها وعلى تعزيز آليات أخلاقيات المهنة، إلى جانب تحديث وتحيين التدابير الجمركية تماشيا مع توصيات السلطات العمومية قصد تجسيد المخطط الاقتصادي للمرحلة الجديدة. وذكرت المديرية العامة للجمارك أن العمل جار وفق هذه المعطيات من أجل مراجعة قانون الهيئة وتكييف مواده مع التوجهات المستجدة وأخذها بعين الاعتبار، لمشروع رقمنة المنظومة الجمركية التي تستدعي إعادة النظر في بعض تدابيره الحالية. كما ترمي مراجعة هذا القانون إلى توفير مرافقة أفضل للمتعاملين الاقتصاديين في مجال صناعة المحروقات والموارد المنجمية، من خلال استفادتهم من اتفاقية "كيوتو" بشكل يحفزهم على توليد القيمة المضافة إلى جانب تعزيز آليات الرقابة والاستهداف وتوسيع صلاحيات الجمارك وتوفير حماية أكبر لأعوانها وخاصة خلال عمليات التدخل. ووفق هذه المقاربة فإن القانون الجديد سيمكن عون الجمارك من ممارسة صلاحياته كاملة غير منقوصة، وبكيفية تسمح له بصنع الفارق في مجال حماية الاقتصاد الوطني، تماما كما هو حاصل في باقي دول العالم". وكشفت المديرية ضمن هذه الغاية، عن الانتهاء من إعداد مشروع مراجعة القانون الأساسي لمنتسبي الجمارك والأسلاك الشبيهة، إضافة إلى الهيكل التنظيمي لمصالحها، اللذين رفعا إلى مصالح وزارة المالية باعتبارها الجهة الوصية لدراستها. وتضمن النصّ الجديد "مراجعة شاملة" للتدابير الواردة في القانون الأساسي، التي تكفل حقوق والتزامات وواجبات ضباط وأعوان الجمارك بغرض "تحسين مناخ ممارسة مهامهم السيادية وتوفير ظروف معيشية أفضل تكفل تحقيق الأهداف والمهام الحساسة لهذا الجهاز"، بالإضافة إلى تدابير أخرى من شأنها تعزيز آليات أخلاقيات المهنة. النظام المعلوماتي الجديد في مراحل متقدمة وقالت نسيمة علو بريكسي، مديرة الإعلام والاتصال بالنيابة بالمديرية العامة للجمارك، أن فتح هذه الورشات القانونية تزامن مع إنجاز مشروع النظام المعلوماتي الجديد بشراكة مع الجمارك الكورية، والذي بلغ مراحل "متقدمة"، خاصة ما تعلق بالشباك الجمركي الموحد. وأكدت أن المشروع الذي انطلق خلال السداسي الثاني لسنة 2019 سجل "تقدما ملحوظا" رغم الصعوبات التي تسببت فيها جائحة "كوفيد-19" وخاصة فيما يتعلق بتنقل الخبراء الكوريين دون أن يمنع ذلك من تمكن الجمارك ضمن هذه الشراكة المعلوماتية من اقتناء مركز البيانات. ويتضمن النظام المعلوماتي الجديد عدة عناصر أساسية، تخص مسار جمركة البضائع، ابتداء من عملية الشحن إلى الرفع والتحصيل الجمركي والإعفاءات مرورا بعمليات تسيير الملفات المنازعاتية وتطوّرها وتسيير المخاطر والاستعلام الجمركي والإحصائيات ووصولا إلى الاستشراف وتبسيط الإجراءات الإدارية إضافة إلى رقمنة تسيير الموارد البشرية. كما يسمح النظام الجديد بتسيير العمليات عن بعد وتقليص مدتها، وضمان شفافيتها وفعالية عمليات الرقابة القبلية والرئيسية والبعدية، ضمن خطوة ستسمح بزيادة فعالية جهاز الجمارك في التصدي للجرائم الاقتصادية، وعلى رأسها معضلة تضخيم الفواتير التي يتعين مضاعفة الجهود لاستئصالها كليا. وأظهرت حصيلة للمديرية العامة في هذا الخصوص، أن قيمة تضخيم الفواتير التي تم معاينتها من طرف مصالح الجمارك خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، بلغت 8,7 مليار دينار. وأكدت مديرية الجمارك أن ذلك جاء "نتيجة للتطبيق الميداني لمقاربة جديدة في مجال تسيير المخاطر والتي سمحت بطريقة مباشرة بتقليص فاتورة الاستيراد"، في انتظار أن تتعزز هذه المقاربة بمجرد الشروع في تطبيق آلية "الدفع لأجل" والتي أقرها مشروع قانون المالية 2021 . وتهدف هذه الآلية إلى مراقبة أكبر لتحويل رؤوس الأموال إلى الخارج، من خلال تحديد مدة زمنية دنيا (30 يوما) للتحويل الفعلي للمبالغ المستحقة للموردين، وهو ما يمكن إدارة الجمارك من التحقق من القيمة المصرح بها قبل تحويل مبلغ الفواتير بالعملة الصعبة من طرف البنوك، حيث ينتظر أن يدخل هذا الإجراء حيز التنفيذ فور صدور النص التطبيقي الخاص به، والموجود حاليا طور الإعداد. نحو وضع حد لجريمة تضخيم الفواتير ولفتت نسيمة علو بريكسي بخصوص هذه الإشكالية، إلى أن إدارة الجمارك قامت العام الماضي بدراسة تقنية معمقة حول ظاهرة تضخيم الفواتير، للوقوف على حجم الضرر الذي تلحقه هذه الجرائم بالاقتصاد الوطني، ورفع الإجراءات الكفيلة بمحاربتها إلى السلطات العمومية. وسجلت إدارة الجمارك من جهة أخرى ارتفاعا في نجاعة تحصيلها للحقوق الجمركية، حيث عرف الوعاء الضريبي الخاص بالاستيراد خلال الأشهر العشر الأولى انخفاضا ب20% مقارنة بنفس الفترة من العام الذي سبقه، بينما سجل التحصيل الجمركي انخفاضا طفيفا ب4,1% وبلغت التحصيلات الجمركية في الفترة بين جانفي واكتوبر 844.63 مليار دج، في حين أن فاتورة الواردات تراجعت خلال نفس المدة بأكثر من 7 ملايير دولار، ضمن أرقام أكدت النجاعة "غير المسبوقة" التي حققتها إدارة الجمارك، وهو ما يؤكده أيضا مستوى تنفيذ توقعات قانون المالية الاولى لعام 2020 والذي سطرت أهدافه قبل بدء جائحة كورونا، حيث تمكن من بلوغ 95,44% بالنسبة للحقوق والرسوم الجمركية و84,71 % بالنسبة للرسم على القيمة المضافة، شهرين قبل نهاية العام الماضي. حجر بضائع بقيمة 7 ملايير دج منها مخدرات ومعادن وقامت مصالح الجمارك بخصوص مكافحة التهريب، ب2527 عملية حجز لمختلف البضائع قدرت قيمتها ب7 ملايير دينار خلال الاشهر ال11 الاولى لعام 2020، وبقيمة غرامات فاقت 32 مليار دينار. وشملت المحجوزات، سيارات وعتاد مواد حساسة وأسلحة وذخائر ومواد متفجرة وعملة صعبة وسجائر ووقود وأقراص مهلوسة ومشروبات كحولية وألبسة ومواد غذائية ومواشي وأدوية ونفايات معدنية وغير معدنية. وتم التأكيد فيما يخص دور الجمارك في إنجاح منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، على أن إدارة الجمارك بمختلف مصالحها "مجندة" لرفع هذا التحدي، بالاستعانة بالخبرة الكبيرة التي اكتسبتها في مجال اتفاقيات الشراكة والمناطق الحرة. وأضافت بأنها ستعمل على مرافقة المتعاملين الاقتصاديين بفعالية من خلال أدوات قانونية وتنظيمية، تمكنهم من ولوج الأسواق الافريقية بكل أريحية، من خلال منح امتيازات وتسهيلات جمركية، حيث يمكن للمصدرين على سبيل المثال الاستفادة من تعويض حقوق ورسوم الجمركة الخاصة بالمواد المستخدمة في إنتاج بضائع موجهة للتصدير.