أصبح تبني وجهة نظر لا تتماشى مع مواقف المخزن ووسائل دعايته، جناية في المغرب تبدأ بحملة إعلامية ممنهجة وملاحقات قضائية قبل أن تفتح أبواب السجن أمام أصحابها بعد محاكمات صورية وظالمة. ووسط هذه المعادلة أصبح الرافضون للأمر الواقع الذي يفرضه أمير المؤمنين وحاشيته يعيشون حياة ضنكة في ظل تضييق إعلامي غير مسبوق باعتماد سياسة الابتزاز وتشويه صورة المعارضين الذين رفضوا الاستكانة أو التراجع عن مواقفهم المبدئية. وشملت هذه الملاحقات الإعلاميين النزهاء والرافضين للتطبيع والداعين إلى استعادة حرياتهم، وأولئك الذين لا يريدون مساومات المخزن والتي لم تعد مقتصرة على الذين فضلوا البقاء في داخل المملكة ولكنها توسعت لتشمل حتى الذين نجوا من بطش عناصر المخابرات مفضلين المنفى على السجون السرية في مملكة لم تعد ترحم رعاياها. ويبقى الأكاديمي والناشط الحقوقي المغربي معطي منجب، عينه من بين مئات المغاربة المطاردين في بلدهم وفي الخارج والذي أودع السجن نهاية الشهر الماضي لأنه عارض خطوة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي التي أقدم عليها جلالته ضمن موقف لم يستطع كتمه في صدره، ما كلفه الملاحقات الجنائية إلى جانب فضحه لانتهاكات حقوق الإنسان في بلاده. وبدأت قضية هذا الناشط تأخذ أبعادا دولية بعد أن قرّر محامون تشكيل فريق متعدد الجنسيات لدعم هيئة دفاعه بالمغرب بمبادرة من مكتب المحامي الفرنسي ويليام بوربون بحضور أفراد من عائلتي هذا الناشط والمعارضين القابعين في السجون المغربية، عمر الراضي وسليمان الريسوني الى جانب حقوقيين من المغرب وكندا. وطالبت لجنة حقوقية مغربية الحكومة المغربية بإطلاق سراح منجب على الفور، منددة بكل "الإجراءات التعسفية" التي تعرض لها في نفس الوقت الذي طالبت فيه منظمتان حقوقيتان دوليتان، السلطات المغربية، بإطلاق سراحه بعد تلفيق تهمة تبييض الأموال ضمن مبرر واه لاعتقاله الانتقامي بسبب مواقفه في وقت تحركت فيه وسائل الدعاية الرسمية لتشويه صورته بتهم أخلاقية لا أساس لها من الصحة. ووصفت منظمة العفو الدولية، التحقيقات التي ظل الكاتب والحقوقي المغربي يخضع لها منذ عدة سنوات، بأنها "أحدث محاولة لترهيبه والانتقام منه بسبب موقفه النقدي تجاه السلطات على تعزيز الحق في حرية التعبير في المغرب بعد سنوات من المضايقات والمراقبة غير القانونية"، معتبرة منجب "سجين رأي يجب الإفراج عنه فوراً ودون قيد أو شرط". وكانت النيابة العامة المغربية أعلنت أكتوبر الماضي، فتح تحقيق مع الناشط المغربي وأفراد من عائلته بزعم "أفعال من شأنها أن تشكل عناصر لجريمة غسل الأموال" وذلك بناء على إحالة من جهاز متخصص في معالجة المعلومات المالية "تتضمن جرداً لمجموعة من التحويلات المالية المهمة وقائمة بعدد من الممتلكات العقارية ... لا تتناسب مع المداخيل الاعتيادية المصرح بها" من طرف منجب وأفراد عائلته. وفهم الحقوقي المغربي المغزى الحقيقي لهذا الادعاء وأكد أن ذلك له صلة مباشرة بمواقفه ودفاعه عن قضايا حرية التعبير وأن الهدف من هذه الملاحقة يتمثل في "معاقبتي" على تصريح صحافي "أشرت فيه إلى دور جهاز مراقبة التراب الوطني "المخابرات الداخلية" في قمع المعارضين وتدبير الشأن السياسي والإعلامي بالمغرب". وأضاف في بيان نشره إثر إعلان فتح هذه القضية، أن التهمة "ليست جديدة"، وإنما تعود إلى بداية مضايقته نوفمبر 2015 في قضية "مساس بأمن الدولة" و"ارتكاب مخالفات مالية على علاقة بمركز بحوث حول وسائل التواصل" كان يديره. وهي المكيدة نفسها التي يتعرض لها السياسي محمد جفى العضو في صفوف حزب شبيبة النهج الديمقراطي الذي اعتقل نهاية الأسبوع بمدينة دمنات ضمن إجراء وصفه بالتعسفي والانتقامي" لمواقف الحزب "المبدئية" والمساندة ل "حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره". واعتبر المكتب السياسي لهذا الحزب الذي رفض الانسياق وراء أحزاب المخزن الأخرى بخصوص النزاع في الصحراء الغربية أن متابعة المناضل السياسي بأنه "محاولة يائسة من طرف النظام المخزني لتصفية هامش حرية الرأي والتعبير"، وتصرف انتقامي للمواقف التي يعبر عنها الحزب " في مختلف القضايا الوطنية" ومواقفه "المبدئية" الداعية إلى تنظيم استفتاء تقرير مصير في الصحراء الغربية. وقررت السلطات القضائية بمدينة دمنات متابعته، على خلفية تدوينة على موقع "فايسبوك" تحدث فيها عن الصحراء الغربية ورفضه للتطبيع المغربي الإسرائيلي. حيث وجهت له تهم "الإساءة إلى ثوابت الأمة والتحريض ضد الوحدة الترابية على مواقع التواصل الاجتماعي". أحمد الزفزافي يطالب بمعرفة مصير نجله المعتقل وفي نفس سياق هذه المضايقات خرج احمد الزفزافي والد ناصر الزفزافي متزعم حراك الريف عن صمته أمس مطالبا بمعرفة مصير نجله وزميله محمد جلول اللذين تم تحويلهما من سجن مدينة طنجة إلى وجهة مجهولة. وطالب الزفزافي الأب، من محمد صالح التامك رئيس المندوبية العامة لإدارة السجون الكشف عن مصير نجله متهما إياه "بظلم معتقلي حراك الريف وأن العقاب ليس بهذه الطريقة الانتقامية ولا نعرف أين هو ناصر وجلول". وشدّد بالقول إن معتقلي حراك الريف "معتقلون سياسيون بكل ما للكلمة من معنى، رغم إنكاركم لهذا المصطلح". وأكدت تقارير حقوقية محلية أن المندوبية العامة لإدارة السجون المغربية بررت قرارها ترحيل نشطاء منطقة الريف بتبادل "رسائل مشفرة مع عائلاتهم دون أن توضح تلك التسجيلات والتدوينات والرسائل المشفرة"، خاصة وأنها تتحدث عن الهاتف الأرضي الثابت الذي توفره المؤسسات السجنية وليس عن الهواتف النقالة، ما يجعل طبيعة هذا "الاستغلال" مبهمة.