وجدت فرنسا نفسها بعد ثماني سنوات من تبنّيها المقاربة العسكرية لمكافحة الإرهاب في الساحل الافريقي، متورطة في مستنقع أمني تشابكت خيوطه وتعددت عقده مما زاد في متاعبها، ليس فقط من حيث الانفاق المالي بل أيضا من حيث الخسائر البشرية في صفوف قواتها التي توالت إخفاقاتها ولم تحقق أيا من أهدافها المسطرة في القضاء على الارهاب في هذه المنطقة المضطربة. ولم تتمكن فرنسا التي زجت بجنودها في مستنقع الساحل الإفريقي منذ عام 2013، لا من احتوائه وإحلال السلم والاستقرار الذي وعدت به قبل سنوات، ولا الخروج منه بأقل الأضرار الممكنة وهي التي أصبحت قواتها في الآونة الأخيرة المنضوية تحت غطاء قوة "برخان"محل استهداف متكرر لهجمات مسلحة كبدتها خسائر فادحة في الأرواح ألبت حتى الرأي العام الفرنسي، ضدها المطالب بانسحاب القوات الفرنسية من مالي وكل الساحل. وأمام تخبطها في هذا الوضع المعقد باشرت فرنسا رحلة البحث عن دعم أوروبي وجدته في قوة "تاكوبا"، التي انطلقت رسميا صيف العام الماضي، بقوة قوامها 600 جندي دون ان يمنع عديد المتتبعين القول إنها تبقى محدودة التأثير في احتواء الوضع المتردي بالمنطقة، مما جعل فرنسا تعوّل على الدعم الأمريكي مع مجيء الإدارة الجديدة بقيادة الديمقراطي جو بايدن. ويؤكد السعي الفرنسي لكسب الدعم الأمريكي إعلان الرئاسة الفرنسية عن مشاركة كاتب الدولة الأمريكي أنطونيو بلينكن، عبر تقنية التحاضر عن بعد في أشغال القمة الفرنسية مع دول الساحل الخمس المقررة بعد غد الإثنين، بالعاصمة التشادية نجامينا، ضمن مؤشر تنظر إليه باريس بعين ايجابية. وما فتأت باريس تؤكد أن الهدف من قمة نجامينا هو الدفع قدما بالديناميكية التي أحدثتها قمة "بو" المنعقدة شهر جانفي 2020 جنوبفرنسا، وتقول بأنها سمحت بتحقيق إنجازات على المستوى العسكري يروج لها المسؤولون الفرنسيون المدنيون والعسكريون على أنها انتصارات ضد الارهاب، لكن بالعودة الى حقيقة الوضع وإلى توالي الهجمات المسلحة ضد القوات الفرنسية في مالي، واستهداف هذه الأخيرة للمدنيين أثناء تعقبها للمسلحين وتصاعد رفض السكان المحليين لها يتأكد المأزق الذي وقعت فيه فرنسا. ومن المقرر أن تتناول القمة التي ستجمع الرئيس الفرنسي، وقادة دول الساحل الخمس موريتانياومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد يومي الإثنين والثلاثاء، مسألة خفض القوات الفرنسية في المنطقة بعد أن شرعت باريس منذ أسابيع وبهدف تخفيف أعبائها العسكرية والمادية في بحث عدة سيناريوهات بخصوص قواتها في مالي أكثرها ترجيحا البدء بتقليص عدد عناصر عملية "برخان". وتريد باريس أن تحدث قمة نجامنيا ما وصفته بهبة سياسية ودبلوماسية عبر تنمية المناطق النائية بالساحل، وعودة الدولة الى تلك المهمشة حتى لا يستغلها المسلحون وباقي جماعات الإجرام والاتجار بالمخدرات والبشر. وقد شدد بيان لقصر الاليزيه، على أهمية التنمية المحلية بهذه المنطقة وخاصة ضرورة بعث اتفاق الجزائر ل 2015، مجددا التأكيد أنه يبقى فقط الإطار السياسي المناسب لتسوية الأزمة في مالي.