ترقية الرياضيات وتحبيبها للتلاميذ وضمان تأطير كفؤ لأجل ذلك، تلك هي الإشكالية التي كانت في صلب النقاش الذي أداره وزير التربية محمد واجعوط، بمشاركة وزراء التعليم العالي عبد الباقي بن زيان، والطاقات المتجددة شمس الدين شيتور، والسياحة محمد علي بوغازي، بهدف إيجاد حلول عملية وفورية لمعضلة لم تعد تحتمل الانتظار. ويبقى ربح هذا الرهان بمثابة أكبر تحد يجب إيجاد حلول له كون مادة الرياضيات أضحت عاملا محوريا لضمان تقدم الدول ورقيها، في ظل تعقيدات التكنولوجيا الحديثة وتنافس مختلف الدول لتحقيق السبق فيه حفاظا على مكانتها كقوى فاعلة في المشهد العالمي. ووفق هذه المقاربة فإن التحرك من الآن في إيجاد آليات لربح هذا الرهان، اصبح أمرا ملحا إذا سلّمنا بالحقائق التي أعلن عنها وزير التربية محمد واجعوط، خلال هذه الندوة والذي كشف عن مؤشرات بعيدة كل البعد عن النسب العالمية المتعارف عليها في مجال التكنولوجيات المتطورة التي يجب التحكم فيها إن أردنا التموقع في خارطة الدول الطامحة لتحقيق نموها بعيدا عن ضغوط الكبار وشروطهم. واذا كانت الحقائق التي كشف عنها وزير التربية، صادمة فإن التستر عليها لم يعد مسموحا عندما راح يؤكد أن "تأطير مادة الرياضيات "لا يلبي" الاحتياجات بدليل تسجيل بنسبة 5,52 بالمئة من عدد خريجي المدارس المتخصصة في الطور المتوسط و16,25 بالمئة فقط بالنسبة للطور الثانوي. وقابل هذه الأرقام المحدودة جدا الإقبال "الضئيل" أيضا لعدد التلاميذ الذين يختارون هذه الشعبة، حيث لم يتعد عدد التلاميذ المتمدرسين فيهما نسبتي 2.68 بالمئة و10 بالمئة في الطورين المتوسط والثانوي مما يدفع إلى التساؤل حول هذه الوضعية غير الطبيعية رغم تخصيص 25 ألف أستاذ لمرحلة التعليم المتوسط واكثر من 12 الف أستاذ لمرحلة التعليم الثانوي ؟. نظرة جديدة لاهتمام أكبر... سؤال أجاب عنه وزير التربية، خلال لقائه بالوزراء المذكورين عندما أشار إلى اعتماد استراتيجية هدفه الأولي تشجيع التلاميذ على التخصص في شعبة الرياضيات، من خلال التأكيد على الأهمية المعرفية والفكرية، بهدف تحبيبها للتلاميذ عبر تنظيم مسابقات تنافسية داخل المؤسسات التربوية، وتفعيل النوادي العلمية وإنشاء أخرى مختصة في الرياضيات وتكون جميعها مجالا لاكتشاف الموهوبين وحتى النوابغ في هذه المادة وعدم تضييع قدراتهم. وأضاف واجعوط، بالإضافة إلى ذلك بضرورة إعادة النظر في معايير توجيه التلاميذ نحو شعبتي الرياضيات وتقني رياضي، مع إعطاء الأولوية في توجيه حاملي شهادة البكالوريا في هاتين الشعبتين في التخصصات الجامعية من خلال التنسيق مع وزارة التعليم العالي، مما يعزز التوجه الإرادي للتلاميذ مع بداية مرحلة التعليم الثانوي. كما تتضمن هذه الاستراتيجية إنشاء "أولمبياد الرياضيات" قصد التكفل بالنخب المدرسية وانتقاء التلاميذ المتميزين في المادة، ومرافقتهم من طرف مؤطرين أكفاء لضمان أحسن تمثيل للجزائر في الأولمبياد العالمي للرياضات، وكشف الوزير، عن مسعى لإنشاء ثانويات متخصصة في الرياضيات تضاف إلى تلك المتواجدة بالقبة بالجزائر العاصمة بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بهدف استحداث أقطاب امتياز متجانسة بالإضافة إلى مدارس عليا في مختلف الولايات بما يستدعي إقامة تنسيق مع وزارة التعليم العالي، لإيجاد آليات من شأنها توسيع دائرة التكوين للأساتذة المتخصصين في مادة الرياضيات في المدارس العليا للأساتذة، وإعادة النظر في محتوى التكوين الموجه لخريجي هذه المدارس بكيفية تجعله يساير التطورات العلمية والتكنولوجيا، مع إيلاء أهمية لتخصص الإعلام الآلي على مستوى المدارس العليا للأساتذة. حتمية التنسيق بين كل القطاعات وأبدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، عبد الباقي بن زيان، تجاوبا مع هذه النظرة المستقبلية، حاثا من جهته على ضرورة إعادة النظر في البرامج الوطنية الخاصة بمادة الرياضيات من الطور الابتدائي ووصولا إلى الجامعة، بهدف إقامة مشروع "متناغم ومتميز" للرفع من مستوى الرياضيات في الجزائر، ضمن رهان أكد أنه سهل تحقيقه رغم حجمه، ولكنه لا يتطلب موارد كبيرة من ناحية التأطير البشري والمادي، في ظل استعداد الأساتذة والباحثين الجزائريين للمساهمة في التأطير البيداغوجي والعلمي للمؤسسات المخصصة لهذا النوع من التكوين. واعتبر الوزير، أن ذلك سيكون بمثابة انطلاقة في التميز وتكوين النخب، فضلا عن توفر الإرادة السياسية لتجسيد هذا المشروع من خلال ثانوية الرياضيات التي تضم خيرة التلاميذ على المستوى الوطني، وتتوفر الجزائر على 19 مخبرا للرياضيات وباحثين جزائريين ينشطون على مستوى مخابر دولية، في انتظار استحداث مدرستين مختصتين في الرياضيات وفي الذكاء الاصطناعي. وأكد بن زيان، أن "بلوغ هذا المشروع للمستوى العالمي يقتضي التعاون والاستفادة من الخبراء المتميزين من الجزائريين والأجانب، وكذا تذليل كل العوائق والصعوبات التي تحول دون مشاركتهم. وأكد وزير الطاقات المتجددة، شمس الدين شيتور، من جهته على أهمية "تشجيع التلاميذ من الطور الابتدائي على تعلم مادة الرياضيات، ووضع محفزات لاستقطابهم مع توضيح الآفاق المستقبلية المشجعة التي تنتظرهم بعد التخرج، دون نسيان جانب الاهتمام بالمؤطرين لبناء قاعدة أساسية لضمان تحصيل علمي رفيع المستوى سواء في العلوم الأساسية أو التكنولوجية". وشدد وزير السياحة، على ضرورة "معالجة مسألة عزوف التلاميذ عن التخصص في هذه المادة من خلال إيلاء العناية اللازمة لها، ووضع "تشخيص لواقع منظومة تدريس الرياضيات في مختلف الأطوار التعليمية".