اختتمت بقصر الثقافة "مفدي زكريا"، أمس الجمعة، فعاليات معرض فنون الخزف بعنوان "التعبير بواسطة فن الطين والنار"، حيث اجتمعت فيه أعمال حوالي 50 فنانا وحرفيا، قدموا قطعا من الروائع بلغوا بها شهرة تعدت الحدود، وجعلت من الجزائر رائدة في هذا الفن عبر العالم، وأصبح لفنانيها ومدارسها صيت ما بعده صيت، مما يستوجب الاستثمار والتثمين . زارت "المساء" المعرض عبر أقسامه الثلاثة، وهي "الخزف التقليدي" و"الخزف واللوحات الخزفية" و"النحت والخزف المعاصر". احتضنت القاعة الأولى الفخار التقليدي مثلما عرفه الأجداد بلمسة جزائرية أصيلة، كما عرض بعض الحرفيين وسائل العمل والمواد الأولية المستعملة، منها العجينة بكل ألوانها، كالبني والأصفر والأخضر والأزرق، وكذا وسائل النحت وآلات التشكيل والنحت والاسفنجات والقواطع المعدنية، ووسائل الرسم منها الفرشاة وغيرها، كما تم عرض الطين "البودرة" الذي يمنع القطعة من التفتت، وعرضت في هذه القاعة أيضا، أدوات التغليف المزخرفة ووسائل الترميم، وكذا بعض القطع الطينية القديمة. تحف تخطف الأبصار ضمت القاعة الثانية (القاعة الشرفية)، أعمالا خزفية متنوعة في الأشكال والأنماط والأحجام، منها التحف التزيينية، وشهدت توافدا للزوار من مختلف المناطق، كان من بينهم بعض الشخصيات العلمية والفكرية والفنية، وقال بعضهم، إنها تحف لا تقدر بثمن، تخطف الأبصار ويتمنى الزائرون امتلاكها، وكان من ضمن العارضين، فنانون وحرفيون ذوو شهرة عالمية. برز من بعيد، فن المنمنمات والزخرفة الإسلامية ذات الخصوصية الجزائرية الموروثة عن الراحل عمر راسم، كما كانت أغلب المعروضات بمضمون جزائري، منها تثمين تراث القصبة مثلا، وعرضت اللوحات والمزهريات والأواني والساعات والقناديل والأباجورات والجداريات، ومن العارضين كان الفنان عبد الكريم موحوس وعلي ولد رامول ابن مدينة المدية، الذي اشتهر بهذا الفن منذ السبعينات، وقام بدراسات عليا في الخارج، خاصة بفرنسا، في اختصاص الفنون التشكيلية بجامعة باريس، ثم اختص في الأسلوب المغاربي التقليدي والخط العربي، وتحصل على العديد من الجوائز، وكان ضمن هذه الأسماء الثقيلة أيضا؛ توفيق بومهدي والسعيد جاب الله وكمال بلعزوق الذين عرضوا تحفا سلبت الأبصار. الاحترافية والمنطلق الفني والإبداعي تحدثت "المساء" للخزفية صفية جبار، التي قدمت هذا الفن بلمسة أمازيغية رائعة، بعدما نجحت أيضا في أسلوب الأرابيسك، وقالت إنها أحبت الرسم منذ الصغر، وكانت تزور المتاحف لرؤية رسومات الخزف، ثم واصلت رحلة الرسم إلى أن تحقق حلمها وأصبح لها ورشتها الخاصة بحي السيدة الإفريقية. عن اللمسة الأمازيغية، قالت "بعد نجاحي في الأرابيسك، طالبني جمهوري بالاتجاه إلى الأسلوب الأمازيغي، وكان له ذلك، لكنني حرصت على أن أضع بصمتي الخاصة وسر صنعتي، كي لا أشبه الآخرين، وطبعا أستعمل الألوان ومنها الذهب بعيار 11 قيراطا، وأيضا الفضة، ويبقى هذا العمل يتطلب الموهبة والدقة والوقت وكل ما فيه منجز باليد". تضيف السيدة صفية خلال حديثها مع "المساء"؛ "أصبح هذا الفن رائجا في الجزائر، كما أصبحنا في الصدارة بين الدول التي اشتهرت بهذا الرسم، منها إيران وتركيا والمغرب، بل وتفوقنا عليها، حيث أن الفنانين والحرفيين هناك غالبا ما يرسمون لغاية تجارية يتطلبها سوق السياحة، ويستعملون في الرسم تقنية "اليد المرفوعة"، بينما نحن نعتمد الاحترافية والمنطلق الفني والإبداعي". أكدت السيدة صفية أن هذا الفن يتطلب إمكانيات كبيرة، منها الذهب الذي يكلف بين 17 و20 مليون سنتيم للقارورة الصغيرة، كما أن الفنان يظل على أعصابه حتى تخرج القطعة للعلن، حيث أن عملية الطهي في الفرن تتطلب وقتا كبيرا، وإذا فشلت فقد تدمر كل ما أبدعه الفنان. ثم أشارت إلى أنها سعيدة بما قدمته، وأن ما أنجزته بيع في العديد من دول العالم، منها الولاياتالمتحدة وفرنسا وتركيا وغيرها، والجمهور الجزائري بدوره ذواق ويعرف قيمة هذا الفن، ويقتنيه. غير بعيد، عرض الأستاذ عمر بوعبد الله وزوجته، قطعا جميلة من قطع الديكور، علما أنهما يملكان ورشة بمنطقة بابا احسن، وقد اعتمدا على أسلوب التزهير، وقدما تشكيلات في الأخضر والأزرق والأحمر، استوقفت الزوار، منهم الفنانة القديرة فاطمة حليلو التي أبدت انبهارها بهذا الفن الجميل. قال السيد عمر، إنه يمارس هذا الفن منذ سنة 1982، بعدما عشق الألوان، فالتحق بمركز التكوين بتيزي وزو، وزاول دراسته لمدة سنتين، ثم اختص في الأسلوب الأمازيغي وعمل في نفس الولاية، بعدها اختص في الأرابيسك ودخل عالم الاحتراف، علما أنه متمكن في التزهير المستنبط من الأرابيسك، وأبدع فيه واختلف عن الآخرين، حتى لا يكرر ما هو سائد، بل إن البعض حسبه- أرادوا تقليده، ففشلوا. إبداعات خزفية حديثة تضم القاعة الثالثة (قاعة باية)، الابتكارات والإبداعات الفنية الخزفية الحديثة، فتم عرض السيراميك الملون مع محمد رباحة، وكانت تشبه الآثار القديمة، منها المزهريات والأواني وغيرها. أما زهيرة باشا، فقدمت الطين الغامق المسود الذي كان سائدا في الجزائر قبل قرون، وأبدعت فاطمة الزهراء بودخنة بلمستها العصرية في إدخال السيراميك على الأثاث، منه الكراسي والمرايا وغيرها، وقدم محمد شنوفي خزفا أسودا، متمثلا في جرار ذات ثقوب مخاطة بالخيط الخشن. كما خصص في هذه القاعة، فضاء لتاريخ الخزف منذ فترة ما قبل التاريخ، ثم الخزف الإسلامي، فالمعاصر، تحت إشراف أساتذة باحثين، منهم عبلة رتاب وصالح تيرة، مع تقديم بعض الوثائق والمخطوطات. ضمت القاعة الرابعة، المربعات الخزفية بكل أنواعها؛ "الزليج" والجداريات واللوحات الفنية، وكان من العارضين الفنان محمد ساسي، الذي رسم المنمنمات الجزائرية على مرايا ضخمة، وعلى لوحات كبيرة، ساد فيها اللونان الأزرق والأخضر، كما عرض لوحات في الخط العربي كتبت فيها آيات قرآنية. في مساحة واسعة، عرضت أعمال الفنان سعيد جاب الله، بعضها سجل أحداثا تاريخية، منها احتفالات خاصة برجوع الخليفة عبد الرحمن بالنصر، وهناك لوحات عن القصبة، وقد التقت "المساء" بابنة الفنان، وهي نجاة، رسامة شاركت في بعض الأعمال، وقالت إن والدها يملك ورشة للرسم في درارية، وأنه خريج المدرسة العليا للفنون الجميلة، ثم سافر إلى مصر لدراسة فن الخط والزخرفة. كما أقام بدبي، وعند عودته أنجز العديد من الجداريات، إلى أن افتتح ورشته عام 1996، وظل ينجز أعماله بيده، وكان أبناؤه يراقبون عمله ويساعدونه في أيام العطل، وبعد إتمام دراساتهم في الجامعة، انضموا للعمل معه كمحترفين في الزخرفة، وتقول "إبداعنا اليوم معروف، والجزائريون أصبحوا يقدرون هذا الفن، عكس الماضي، حيث كانوا يظنونه مستوردا من الصين حينما نعرضه لهم"، كما أكدت نجاة أن ورشة أبيها شاركت ببعض الجداريات في المسجد الأعظم، وأن بعض اللوحات كانت ب4 أمتار، وفي هذا الجناح كانت كل لوحة أجمل من الأخرى، تهافت عليها الزوار، إلا لوحة واحدة لم يرد الفنان بيعها، رغم أن البعض قدم فيها أكثر من 70 مليون سنتيم، وتقدم أحد الزبائن لشراء لوحة واحتار في الاختيار، وطلب مساعدة "المساء"، ليقتنع ويشتري لوحتين قدرتا معا ب7 ملايين سنتيم. كما عرض في هذه القاعة، فنانون آخرون، أبدعوا هم أيضا، كان منهم نسيمة زاير التي قدمت روائع المنمنمات بالأبيض والأسود، وعلي ولد رامول وبومهدي توفيق وميلودي شهاب وبراهيمي سمير وشيشة علي، تضمنت لوحاتهم صورا من التراث، منها الفانتازيا والفروسية والقصبة وجلسات الطرب النسائية وغيرها.