تعتبر الكاتبة والمترجمة أمل بوشارب بمثابة حلقة ثقافية بين الجزائروإيطاليا، فهي تسعى إلى تعريف الإيطاليين بالأدب العربي، وبالأخص المغاربي منه، وتصبو إلى إيصال الأدب الإيطالي إلى العرب، وفي مقدمتهم أبناء جلدتها من الجزائريين، وفي هذا أصدرت مؤخرا مجلة "أرابيسك" باللغة الإيطالية، بغية تقريب القارئ الإيطالي من الثقافة العربية بمختلف تمظهراتها، "المساء" اتصلت بأمل بوشارب المقيمة في إيطاليا، وطرحت عليها العديد من الأسئلة المتعلقة بكتاباتها وترجماتها، وكذا إيمانها بثقافة الاختلاف وغيرها، فكان هذا الحوار: ❊ حدثينا عن إصدارك لمجلة "أرابيسك" بالإيطالية، والتي تعنى بالأدب العربي؟ ❊❊ "أرابسك" سلسلة تصدر على شكل مجلة، ضمن سلاسل أدبية منوعة تصدرها دار نشر Puntoacapo Editrice الإيطالية. من خلال هذا الإصدار، نسعى إلى تقريب القارئ الإيطالي من الثقافة العربية بمختلف تمظهراتها، اعتمادا على منهجية رصينة بعيدة عن الخطابات السياسية والمقاربة الإيديولوجية، التي تصبغ الأدب العربي حاليا في إيطاليا. دار نشر Puntoacapo تعتمد في مختلف سلسلاتها، على المعايير الفنية للنشر، وهذا ما سنحرص على تقديمه: الثقافة العربية بعدسة جمالية. ❊ هل تهتمين في هذه المجلة، بتعريف الإيطاليين بالأدب العربي، أم أنك تحصرين مواضيع المجلة حول الأدب الجزائري أو حتى المغاربي بصفة عامة؟ ❊❊ الإصدار يعنى بتقديم الثقافة العربية، باعتبارها ثقافة حاضنة لهويات متعددة، وهو ما يشكل خصوصية الأدب العربي ويظهر ثراءه وتعدديته. لكن للأسف، ولأسباب جيوسياسية، لطالما خرج الأدب المغاربي عن اهتمامات المستشرقين الإيطاليين، حيث بقي الاهتمام في السنوات الأخيرة منصبا على الشرق الأوسط، على اعتبارها بؤرة صراع يمكن استثمارها إعلاميا. وأن "أرابسك" تعتمد خطا تحريريا لا يعتبر الحروب معيارا للترجمة، ولا يضع الصراعات السياسية في محرق تركيزه، سنسعى من خلال هذا الإصدار إلى إرساء توازن بين المغرب العربي والمشرق والخليج، حتى نعيد للقارئ الإيطالي الرغبة في تذوق الأدب العربي، بنكهته الحقيقية، بعيدا عن صلصات الحروب التي تعد عرَضا في تاريخ أي شعب، ولا يمكن أن نختزل من خلالها أي ثقافة. ❊ هل اختيارك للغة الإيطالية لكتابة بعض أعمالك عوض الفرنسية مثلا، وهي اللغة التي يكتب بها جزائريون عديدون، مرده التميز أم أن هذه اللغة سحرتك ببعض خصوصياتها؟ ❊❊ عرض الكتابة باللغة الإيطالية أتاني من دار نشر إيطالية، هي Buendia Books، كانت تسعى إلى تقديم سلاسل أدبية من توقيع كتاب إقليم "بييمونتي" على مختلف مشاربهم، وتم الاتصال بي على هذا الأساس. لم يكن الأمر يندرج ضمن أجندتي الأدبية ولم أكن أسعى إليه، لكنني وافقت على العرض، لأن السلسلة الأدبية التي انطلقت بها الدار تعيد الاعتبار لجنس أدبي أحبه على نحو خاص، وهو القصة القصيرة، حيث تقوم الدار بنشر قصص منفردة بطبعات اقتصادية، وهو فورمات معتمد في أمريكا، لكنه غير موجود في إيطاليا. الفكرة بدت لي فريدة فعلا من ناشرة شابة وذات أفكار خلاقة، اسمها فرانتشيسكا موغافيرو، وهو ما جذبني للموضوع. ❊ هل ميل أمل في كسر بما يسمى بالثنائيات الضدية في أعمالها يعود إلى إيمانها برمادية الحياة، وبقدرة التناقضات في العيش تحت سقف واحد؟ ❊❊ ربما هو كذلك. المنهج التفكيكي الذي أعتمده في كتاباتي، هو ليس سوى أداة لتبديد الضبابية التي تحيط بالعالم، أو ربما مجرد وسيلة للإضاءة على ما يكتنز العالم من تناقضات صغيرة كانت أم كبيرة، لكنها تبقى مصدر كل الصراعات التي تعج بها حيواتنا. "قدرة التناقضات في العيش تحت سقف واحد" ليس هو ربما التعبير الأدق لما أحاول الإضاءة عليه، لكن بالأحرى، قدرة النفس البشرية على التغافل على ما تحمله من تناقضات. "السقف" يوحي بأن العملية خارج عن ذواتنا، وأننا ضحايا مركزية معينة، علينا أن نحاربها "لنتحرر"، لكننا عندما ننظر إلى الأمر من الداخل نكتشف أن تناقضات العالم مركزها النفس الواحدة التي لا مجال للادعاء بأنها ذات لون واحد. في اعتقادي، خلاص الإنسان لا يكون من خلال صراعه مع القوى الخارجية التي تحاول الهيمنة عليه، إنما التسليم بأنه هو نفسه مصدر الخير والشر، وأن حربه الحقيقية التي ينبغي أن يخوضها للانعتاق هي من داخله. تفكيك كل منا لتناقضاته الداخلية ومحاولة التأمل في خرائطنا النفسية المعقدة، والتي تنعكس على هندسة العالم وتخلف ما تخلفه من صراعات، هي الفكرة المركزية التي يدور حولها مشروعي السردي. ❊ تروج أمل لثقافة الاختلاف، هل تؤمنين فعلا بالنصر الوشيك لثقافة الاختلاف على ثقافة الفكر الواحد؟ ❊❊ لا أعتقد بأنني أروج لأي شيء. لا أحب كلمة ترويج. تجارية جدا هذه المفردة. الاختلاف لا يحتاج لترويج إلا إذا تعلق الأمر بحزب سياسي يعنيه أن يروج للاختلاف من أجل الحصول على أصوات "المختلفين". الاختلاف بوصفه جزء من تنوع الحياة لا يحتاج لترويج ولا لتسييس ولا لأدلجة، بل يحتاج لأن نحياه وحسب. أما أنا فأكتب وفقط، انطلاقا من قناعات تتطور وتبلور مع مرور الزمن. ولا أؤمن بأن الأدب يجب أن يأخذ شكلا دعائيا فجا، بل يجب أن ينساب على نحو طبيعي دون أي محاولات لتحديد مجراه. الشق الثاني من السؤال معقد وضبابي، ويعيدنا للسؤال السابق عن الثنائيات الضدية. ثقافة الاختلاف نفسها كفكرة إيديولوجية يروج لها حاليا اليسار اللبيرالي في العالم، أصبح يكتنفها صوت الفكر الواحد على نحو مربك. لا أؤمن بأن ثقافة الاختلاف ستنتصر لا هنا ولا في الغرب، طالما أن هناك أشخاص يعتقدون بأنهم إكليروس ثقافة الاختلاف. هؤلاء هم أنفسهم سيتحولون إلى سدنة فكر واحد عنوانه "اختلافٌ" يحددونه هم ويلغون من يخالفهم. "الصوابية السياسية" مثلا، هي أحد أسوأ تجليات الفكر الواحد في السنوات الأخيرة، وهي نفسها وليدة تيارات تروج ل"ثقافة الاختلاف". المسألة أصبحت مثار جدل حقيقي في الساحة الفكرية الغربية، وقد كتبت عنها كثيرا مؤخرا. نحن أمام عالم يعيش تناقضات داخلية أعمق من أن تختزل في ثنائيات سطحية. المشكلة الجوهرية حاليا ليست ثقافة الفكر الواحد في مواجهة ثقافة الاختلاف، وإنما المشكلة هي مع ثقافة الفكر الواحد داخل ثقافة الاختلاف نفسها. ❊ تؤمن أمل بدور الكتاب في تغيير حياة إنسان، هل هناك كتاب فعل فعلته هذه في حياة أمل؟ ❊❊ أؤمن بالقراءة كفعل ثوري من شأنه تغيير حياة الإنسان بالفعل، ليس من خلال كتاب واحد، ولكن من خلال تراكم القراءات، بالتالي تراكم الكتب. من يدعي أن هناك كتابا غير حياته فذلك في الواقع هو الكتاب الذي أتى كإجابة على تساؤلات، أثارتها في نفسه قراءات أخرى، هي لحظة اكتملت من خلالها حلقة كاملة من البحث والحفر في دواخلنا. ذِكر عنوان واحد أزعم أنه هو غيرني قد يغمط حق كتب كثيرة قرأتها، ربما لم تعجبنِ حتى ولا أتفق مع أصحابها، لكنها تركت في نفسي أثرا ما سمح لقراءات أخرى بأن تشق طريقها في داخلي، وتصنع كلها مني ما أنا عليه. نحن نتاج كل ما قرأناه في حياتنا. ❊يقال إن الترجمة خيانة، هل تعتقد أمل أن الترجمة يمكن لها أن تنقل روح الكتاب من لغة إلى لغة أخرى؟ ❊❊ الترجمة في جوهرها عملية وُلدت خطاءة، هي حرفة يكتنفها النقص وعدم الكمال. لا يمكن لأي مترجم أن ينقل لا روح ولا شكل العمل الإبداعي من أي لغة إلى أخرى، خصوصا عندما يتعلق الأمر بلغات تنتمي إلى عائلات لغوية مختلفة. على القارئ أن يدرك ذلك كما عليه أن يعلم بأن المترجم ليس روح القدس، يفترض به أن ينقل "الرسالة" بحذافيرها، وليس المطلوب منه هو بعث النص من لغة أخرى، ليتجلى نصا كاملا كالنص الأول في حياته السابقة. هذا إن افترضنا أن النص الأصلي هو بالأساس نص مكتمل ونابع عن روح لا يأتيها الباطل من بين يديها. لكن هنا سندخل في نقاش فلسفي خاض فيه مفكرون وفلاسفة كثر، وفي النهاية كل مترجم يجد نفسه منتميا لمذهب ومدرسة رسا عليها، سواء من خلال الممارسة أو الدراسة، تحتمل كلها الخطأ والصواب. لكنني هنا أود أن أنوه بفكرة معينة، وهي أن الخيانة الحقيقية في رأيي ليست هي التي تنبع من طبيعة الاختلافات اللغوية، لأن هذا الأمر خارج عن إرادة المترجم، لذلك من الحيف اعتباره خيانة. لكن الخيانة تكمن في الخيارات الترجمية نفسها، التي من شأنها إيهام القارئ في الثقافة الثانية بأنه أمام عمل يستحق الترجمة، إن لم يكن كذلك في لغته الأصلية. هنا نحن ندخل في صميم عمل المترجم بوصفه وسيطا حقيقيا بين الثقافات. وعن الخيارات الترجمية، ينبغي أن نعي أنها في العالم اليوم خاضعة في أغلبها لمنطق السوق التجارية، من جهة، أو لحسابات سياسية بحتة، من جهة أخرى، تحددها دور النشر والأكاديميات ومراكز البحث الكبرى، وغالبا ما يكون المترجم ضمن هذه العملية مجرد موظف يتقاضى راتبه على ترجماته من الجامعة أو من دار النشر. لذلك لا مجال لاعتباره بالأساس صانع قرار ثقافي، إنما مجرد حِرفي وفقط، ينتظر راتبه في آخر الشهر، أو أتعابه عن الكتاب الذي ترجمه. الخيانات المقترفة في نظري في هذا الإطار، أكثر وأشد خطرا من أثر الخيانات اللغوية التي قد يرتكبها أي مترجم بشكل طبيعي أثناء عمله. ❊ صدرت لك مؤخرا، ترجمة لكتاب نيكولا غراتو، هل تشعر أمل بضرورة نقل الأدب الإيطالي إلى اللغة العربية، لإنشاء جسور بين عالمين قلما التقيا في الأدب؟ ❊❊ بالتأكيد، أعتقد أنه من الضروري أن ننشط العلاقات الثقافية بين الضفتين، فالثقافة العربية والثقافة الإيطالية ثقافتان يجمع بينهما الكثير، ومن المؤسف أن تكون الأعمال الجزائرية والمغاربية المترجمة إلى الإيطالية شبه معدومة، لولا جهود فردية محدودة، كما أنه من المحزن أيضا أن نرى أن ترجمة الأدب الإيطالي في العالم العربي مقصورة على خيارات تجارية. اختياري لعمل غراتو بالتحديد، يندرج ضمن فكرة الاحتفاء بالانتاجات الثقافية العميقة والبعيدة عن الضوء. و"أشرطة كاسيت أزنافور" ليست مجموعة شعرية عادية من ناحية المضمون، كونها تتناول موضوعا مهما يتطرق بالتحديد لفكرة الهامش والمركز، وضرورة الاحتفاء بالتفاصيل الصغيرة للحياة، بعيدا عن بهرجة أضواء المدنية والعولمة المخادعة. ❊ هل الكتابة، السفيرة المثلى لتناول القضايا المتعلقة بالمرأة في الأدب، أم أن الأدب لا جنس له؟ ❊❊ هناك كاتبات كثيرات كرسن الأدب لخدمة قضية النسوية، وهو خيار شخصي/ إيديولوجي، لكنه ليس خياري. فأنا أكتب المرأة والرجل والطفل... ولا أرى العالم من خلال أي عدسة ضيقة. كما أنني حاليا، أرى أن النسوية تحولت إلى قضية تجارية بحتة في عالم النشر، وهي ظاهرة صارخة جدا في المكتبات الغربية. كما يكفي مشاهدة إعلانات المنتجات التجارية التي تتبنى الشعارات النسوية في موجتها الرابعة، للتأكد من أننا أمام تيار تمت رأسملته بنجاح. شخصيا لا أجد نفسي ضمن أي من تيارات "المينستريم" هذه أيا كان اسمها. الكتابة الإبداعية بالنسبة لي، تنتمي لمدارات أخرى غير مدارات الشعارات الموحدة، وأنماط التسويق الإيديولوجية المفرغة من أي مضمون. هذا الموضوع كان محورا أساسيا في روايتي الأخيرة "في البدء كانت الكلمة"، لأن انعكاساته أصبحت واضحة جدا في مختلف مناحي حياتنا، سواء في العالم العربي أو الغرب، وآن الأوان في رأيي أن نتحلى بالشجاعة، لنبدأ بتفكيك هذه الظاهرة. ❊ ختمت مؤخرا ثلاثيتك عن الجزائر بصدور روايتك الثالثة عن دار شهاب (في البدء كانت الكلمة)، بعد صدور كل من (سكرات النجمة) و(ثابت الظلمة)، هل الكتابة عن الجزائر فرض على الكاتب الجزائري المقيم بالغربة، حتى لا تنفك خيوطه عن بلده؟ ❊❊ البلدان التي نولد فيها ونتعلم فيها ونعيش فيها لحظات نشوتنا الأولى، وخيبتنا الأولى، لا يمكن أن نفك خيط الارتباط بها بمجرد الرحيل عنها جسديا. إنها ببساطة خزاننا الوجداني الأول. بالنسبة لي، لا أرى الكتابة عن الجزائر فرضا، بل تشكل طبيعي لأحافير نحتت في داخلي من تلقاء نفسها على مدار سنين طويلة. الاعتقاد بسرعة انحلال هذه العلاقة وتبددها لغياب أسباب الإقامة الموضوعية، تصور سطحي للنفس البشرية. ثلاثية الجزائر هي ثمرة ثلاثين سنة لي في الجزائر التي أعرفها، والتي لا أريد بصراحة أن أنفصل عنها. فالانفصال الروحي عن البلدان التي صنعت منا نحن عليه فعل ينم عن أحد أفدح صور النكران، وهو شعور لا يشبهني ولا ينتمي إلى مفرداتي الحياتية. ❊ هل تعتبرين مشاركتك في لجنة تحكيم جائزة دولية، اعتراف بأدبك وترجماتك؟ ❊❊ ربما عندما اتصل بي رئيس "جائزة لاغو جيروندو الأدبية" العام الماضي، ودعاني للانضمام إلى لجنة تحكيم الجائزة في طبعتها هذه السنة، لم تكن تجمعني به أي سابق معرفة. كانت البادرة جميلة، وأسعدني أنني سأكون أول عربية ستقوم بتحكيم أعمال إيطالية هذه السنة. ففي النهاية، الترجمة كما ذكرت لك سابقا، تنطوي على عملية تحكيم بالدرجة الأولى. أن يدخل المترجم والكاتب لجنة تحكيم جائزة أدبية، هي اعتراف بسلامة ذائقته، وهو اعتراف وثقة أعتز بهما. ❊ كتب نقاد جزائريون عن إنشائك لمكون بنيوي جديد في مسار الرواية البوليسية العربية، ما رأيك في ذلك؟ ❊❊ أعتز بجميع الأعمال النقدية التي كتبت عن رواياتي، وأعتقد أنني محظوظة، لأن كتاباتي تقاطعت مع مشاريع نقدية لأسماء أكاديمية بارزة أضاءت على أعمالي، وأضافت الكثير لي من خلال القراءات الجادة والمتبصرة. ❊ صدر لك كتابان باللغة الإيطالية، كيف كان استقبال القارئ الإيطالي لهما؟ ❊❊ جميل جدا. فالعملان كما ذكرت لك، صدرا ضمن سلسلة فريدة من نوعها، تسعى للإضاءة على نوع أدبي يكاد ينقرض أمام سطوة الرواية. والقراءات الأدبية التي حظيا بهما العملان على منصات هامة تضاهي قراءات في روايات كاملة، كان لافتا ومؤثرا، كما أن إدراج l'anticonformista في قائمة الإصدارات التي ينصح بها من طرف الصالون الدولي للكتاب في تورينو العام الماضي، كان اعترافا جميلا بقيمة هذا العمل من طرف أحد أهم الهيئات الثقافية في إيطاليا وأكبرها. ❊ عرف أسلوبك في الكتابة انفتاحا على مستويات عديدة للقراءة، هل تقصدين بذلك أنه مس أكبر شريحة من القراء؟ ❊❊ يهمني بالطبع، أن تلمس كتاباتي أكبر شريحة من القراء. لطالما اعتبرت أن قدرة الكاتب على الوصول لأي قارئ كان، نخبويا كان أم شعبيا، أبرز مهارة يمكن لأي كاتب أن يتمتع بها على الإطلاق. أن تهندس نصا مضبوطا على إيقاعات عديدة عملية، لا تستدعي من الكاتب شحذ آليات سرد مختلفة والموازنة بينها ضمن خطاب نصي مضبوط، وهو أمر معقد من الناحية التقنية، لكنها إنسانيا عملية تذكرك أن الكتابة فعل تواصل مع القارئ بالدرجة الأولى، ووسيلة للاقتراب منه، لا أداة لترسيخ خطابات التعالي الفكرية. ❊ هل تعتبرين حصول الكاتب على جوائز معيارا لنجاحه؟ ❊❊ الجائزة تمنح دفعة قوية لأي كتاب، خصوصا في بداية مشوراه. لكن النجاح كما هو معروف، له معايير أخرى، أهمها الاستمرارية حتى لا أقول "الخلود". الاستمرارية تتعلق بمدى انضباط الكاتب وقدرته على الالتزام بفعل الكتابة لفترات طويلة. أما الخلود فلا يمكن قياسه في حياة الكتاب، وإنما لما بعد 100 سنة على الأقل من موته. وحتى هذا المعيار قد لا يكون منصفا. لأننا كثيرا ما نتأثر بالضجة التي تثار حول الكتاب في حياتهم حتى نقرأ لهم بعد مماتهم، وقد يكون هناك الكثير من الكتاب ممن تركوا في الظل أعمالا تستحق الخلود، لكن التاريخ لم ينصفهم. في النهاية، النجاح الحقيقي للكاتب هو ما يتركه من أثر لدى القارئ، حتى لو كان قارئا واحدا.