ساعات قبل وصوله إلى المنطقة بدأت عواصم الدول التي سيزورها الرئيس الأمريكي تضع شروطها المسبقة وتحديد ما تنتظره منه من مواقف تخدم مصالحها. فمن الرياض إلى القاهرة ووصولا إلى إسرائيل ومرورا بالسلطة الفلسطينية بدأت سلطات هذه الدول تطرح ما تراه -وفق منظورها- مناسبا لنجاح هذه الزيارة التاريخية. فقد سارعت الرياض إلى التأكيد على أنه يتعين على الرئيس اوباما الذي سيصل إلى العاصمة السعودية اليوم أن يكون حازما باتجاه إسرائيل وأن يشهر ورقة التهديد في وجهها إن اقتضى الأمر ذلك. في نفس الوقت الذي طالبت فيه إسرائيل الرئيس الأمريكي بأن يلتزم بتعهدات سابقه جورج بوش وأن لا يحيد على النهج الذي رسم للسياسات الأمريكية المتعاقبة باتجاهها وعدم كسر هذه القاعدة. يذكر أنها المرة الأولى في تاريخ زيارات الرؤساء الأمريكيين إلى المنطقة يتم فيها استثناء محطة إسرائيل على اعتبار أن الزيارة كانت مبرمجة تحت عنوان توجيه خطاب إلى المسلمين وتوضيح صورة الولاياتالمتحدة لديهم وبالتالي فإن إسرائيل غير معنية بما جاء من أجله. والواقع أن مثل هذا الطرح افتراضي فقط على اعتبار أن مستقبل العلاقة بين المسلمين والولاياتالمتحدة لابد أن يمر وبصفة حتمية عبر إسرائيل من منطلق أنها عقبة أمام نجاح السياسة الأمريكية في كل المنطقة العربية وكل العالم الإسلامي بسبب احتلالها لفلسطين واغتصابها للقدس الشريف. وينبع الموقف السعودي من كونها صاحبة المبادرة العربية التي أقنعت بها كل الدول العربية منذ سنة 2002 بالمصادقة عليها وتأمل أن تكون مقاربة الرئيس أوباما للوضع في المنطقة مغايرة لتلك التي انتهجها سابقه جورج بوش التي وقفت إلى جانب المعتدي على حساب حقوق الضحية وأدت في النهاية إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه إن لم نقل أكثر سوءا. وهو السياق الذي جعل السلطة الفلسطينية تطالب واشنطن بسياسة واضحة إزاء رفض إسرائيل تجميد الاستيطان في الضفة الغربية وأكدت أن "مرافقة الرئيس أوباما لتصريحاته بإجراءات فعلية يمكن أن تعطي فرصة هامة لنجاح رسالة السلام التي يحملها للمنطقة والراغبة بإعادة مفاوضات السلام إلى مسارها. فهل سيكون الرئيس الأمريكي هذه المرة أكثر إنصافا في تعامله مع قضية السلام وأن لا يميل كسابقيه إلى جانب إدارة الاحتلال. الأمر قد يكون كذلك هذه المرة إذا أخذنا بمضمون تصريحاته الأخيرة التي لمح فيها إلى ضرورة ممارسة ضغوط إضافية على إسرائيل لدفعها لقبول فكرة حل الدولتين. وهو الأمر الذي ينتظره العرب جميعهم من هذه الزيارة ولا يريدون سوى إيفاء الإدارة الأمريكية بما التزمت به من وعود لأنها هي صاحبة مبادرة حل الدولتين التي أكدت عليها بعد أن اقتنعت أن مصالحها وحتى مصالح اسرائيل في أغنى مناطق العالم تمر عبر تجسيدها على ارض الواقع حتى وإن عارضها حليفها الاستراتيجي. ولكن هذا الحليف لم ينتظر هذه الزيارة لتأكيد رفضه لهذه المقاربة وحتى لزيارة الرئيس الأمريكي بطريقته الخاصة بعد أن راح يصر على مواقف تتعارض مع فكرة الحل الأمريكي المقترح من خلال توسيع المستوطنات ورفض وقفها واتباع سياسة عنصرية تجاه الفلسطينيين. ولم تنتظر حكومة الاحتلال مقدم الرئيس الأمريكي وشرعت هي الأخرى تضع شروطها المبطنة وأكدت أمس أنها تأمل في أن لا يحيد الرئيس اوباما عن النهج الذي رسمه جورج بوش وأن يلتزم بمضمون المفاهمات التي تمت بين هذا الأخير وإدارة الاحتلال بخصوص الاستيطان في إشارة إلى الموافقة التي أعطاها الرئيس الأمريكي المغادر لتوسيع المستوطنات المعروفة بالشرعية في قلب الأراضي الفلسطينية في سنة 2004 رغم أنه قرار يتعارض تعارضا صارخا مع مبادئ خطة خارطة الطريق للجنة الرباعية. وذهب وزير البيئة الإسرائيلي في تصريح جاء على شكل تهديد باتجاه الرئيس الأمريكي أن الذين يعتقدون في قدرتهم على ممارسة ضغوط على حساب أمن سكان إسرائيل فإنهم مخطئون" في إشارة واضحة باتجاه الرئيس الأمريكي. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما اكد أن بلاده قادرة على العمل "بجدية" قصد إعادة مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية إلى مسارها ووضعها على السكة التي انحرفت عنها منذ قرابة تسع سنوات. وقال في تصريح أدلى به أمس مدافعا عن فكرة حل الدولتين والتقليل من مخاوف الإسرائيليين أنه "ليس من مصلحة الفلسطينيين وحدهم أن تكون لهم دولة لكن للإسرائيليين أيضا مصلحة في أن يستقر الوضع وللولايات المتحدة مصلحة في أن ترى دولتان تتعايشان جنبا إلى جنب".