تعد عمليات القتل الجماعي التي ارتكبت عقب هجمات 20 أوت 1955 بملعب سكيكدة والمجازر بحق سكان بلدة زفيزف، المجاورة من بين الأعمال الانتقامية الأكثر وحشية التي اقترفها الجيش الفرنسي والميليشيات الاستعمارية حيث خلفت أكثر من 6.000 شهيد، حسب ما ذكره المجاهد موسى بوخميس في شهادته. جاءت هجمات 20 أوت 1955 كرسالة قوية للمستعمر الفرنسي مفادها أن الشعب الجزائري يريد الاستقلال لا غير، فكانت الحدث الأبرز الذي حقق الكثير من الإنجازات لثورة التحرير الوطنية والضربة الموجعة لمضاجع الاستعمار الفرنسي. فقد كان لتلك الهجمات صدى داخليا وخارجيا، حيث اثبتت تلك العمليات أن الثورة، وبعد عشرة أشهر فقط من اندلاعها، قادرة على إفشال خطط المستعمر الفرنسي. وقد بين الشهيد زيغود يوسف، مهندس هجمات 20 أوت 1955، التي شنها في منتصف نهار ذلك اليوم للمستعمر وللرأي العام الدولي، أن ما يحدث في الجزائر "ثورة حقيقية هدفها الاستقلال"، حسب ما ورد في شهادة المجاهد بوخميس. وفي حديثه عن الحدث التاريخي، ذكر المجاهد بوخميس، أنه التحق بالكفاح المسلح من أجل التحرير الوطني بمنطقة سيدي مزغيش قبل تاريخها بأسابيع قليلة وعمره لم يكن يتجاوز آنذاك 17 سنة. فقد كان في تلك الفترة جنديا وقام بجمع المجاهدين ضمن مجموعات تتكون من 10 أفراد وهو ضمن المجموعة المكلفة بمشتة "الحمري" بذات البلدية وذلك يوم 19 أوت 1955. وصرح قائلا: "تم جمعنا يوم 19 أوت 1955 مساء من طرف مسؤولي المنطقة داخل منزل وأغلقت الأبواب علينا لمنعنا من الخروج دون معرفة مسبقة بما يحدث أو إعطائنا أي تفاصيل عن السبب"، مضيفا أنهم وإلى غاية يوم 20 أوت 1955 صباحا، لم تكن لهم دراية مسبقة بما سيحدث أو معلومات عن ذلك الهجوم. عزم وإصرار لإتمام المهمة في صباح 20 أوت 1955 وتحديدا عند الساعة الحادية عشر والنصف، طلب منه ومن مرافقيه، وكان عددهم 10 مجاهدين، أن يتناولوا وجبة الغداء لأنهم سيتوجهون إلى سيدي مزغيش لتنفيذ هجوم على ثكنة الدرك الفرنسي التي تقع بمشتة "الحمري"، وفور إسداء الأوامر لهم وإعلامهم بالمهمة، توجهوا إلى المكان المقصود. وفي طريقهم، اتضح أن قوات الاحتلال تفطنت للهجوم ووجدوا كل المنطقة محاصرة، حسب المجاهد، الذي أوضح أنه في نفس الصباح، توجه عدد من المواطنين محمّلين بأسلحة بيضاء إلى وسط سيدي مزغيش ما أثار الشبهات وجعل المستعمر يتفطن للعملية، حيث سمع صوت طلقات الرصاص بمنطقة "بوساطور" وقتل عدد من المواطنين. وأردف المجاهد، وهو يتذكر تلك الأحداث، أنه على الرغم من علم المستعمر بخبر الهجوم في ذلك اليوم قبل أوانه، فإن ذلك لم يمنعهم من التقدم نحو هدفهم إلى غاية الثكنة التي وجدوها محاطة كليا بالجنود الفرنسيين بعتادهم الثقيل، حيث باشر المجاهدون الهجوم وكانوا يقومون بضربات عشوائية. وقال إنه كان يحمل مسدسا وكله أمل ورفاقه في الكفاح في إصابة أحد من عساكر فرنسا، وأضاف أنه "بالرغم من وصولنا أمام الثكنة، إلا أننا لم نتمكن من فعل شيء كبير وحوصرنا وحاولنا الانسحاب، لكن المهمة كانت صعبة وما ساعدنا في عدم تمكن العسكر من الوصول إلينا وجود رزمات من التبن، حيث قمنا بإضرام النار بها ما تسبب في صعود دخان كثيف يمنع الرؤية حتى من القرب لنتمكن من الانسحاب". بعدها توجه المجاهد بوخميس ورفقائه إلى منطقة "الخربة" لتقييم العملية مع المسؤولين، معتبرا أن العملية فشلت تماما بمنطقة سيدي مزغيش، إلا أنهم بالرغم من ذلك، قدموا قدر المستطاع بكل شجاعة. وبسبب مباغتة الجيش الاستعماري في 20 أوت 1955، جاء الرد من قوات الاحتلال الفرنسي بوحشية وقسوة من خلال القتل العشوائي على نطاق واسع وارتكاب مجازر رهيبة استهدفت سكان المشاتي، على غرار ما حدث في مشتة "الزفزاف" قرب سكيكدة، التي أبيد معظم سكانها دون نسيان مجزرة ملعب سكيكدة، حسب ما أضاف المجاهد بوخميس في شهادته. كما مكنت تلك العمليات من كسب تعاطف كبير من الدول العربية بشكل خاص وأعطت للمجتمع الدولي دليلا قاطعا على عدالة القضية الجزائرية، إضافة إلى ذلك، فقد أكدت على شمولية الثورة التحريرية وشعبيتها وإشراك الشعب فيها. ودفعت بالكثير من المسؤولين الفرنسيين، آنذاك، لمراجعة سياستهم المنتهجة في الجزائر ومكنت، بالتالي، من إجهاض المناورات التي كانت تقوم بها الإدارة الفرنسية، وفق السيد صالحي.