دخل مركّب "سيدار" الحجار بولاية عنابة، الذي يمثل "زهرة" صناعة الحديد والصلب بالجزائر، سباقا ضد الساعة من أجل رفع كل التحديات الاقتصادية التي تفرض عليه العمل من أجل كسب رهان النجاعة وتأكيد قدرته التنافسية ضمن حركية بناء الاقتصاد الجزائري. وكانت الشركة الوطنية للحديد والصلب "أس. أن .أس" التي تم تأسيسها سنة 1964، لقيادة قاطرة قطاع الحديد والصلب في الجزائر، الجهة التي أوكلت لها مهمة إنجاز هذا المركّب العملاق الذي أشرف على تدشينه الرئيس الراحل هواري بومدين يوم 19 جوان 1969، ببلدية سيدي عمار بولاية عنابة، ليكون قطبا صناعيا ضخما في الجزائر سنوات فقط بعد استعادة استقلالها. وعاد شرف صب أول حديد الزهر بالفرن العالي رقم 1 لسواعد جزائرية وإطارات وطنية سهرت الدولة على تكوينهم بجامعات ومعاهد دولية وشكلوا فريقا تقنيا ومسيرا متكاملا، سهروا على استكمال بناء منشآت المركب الأخرى التي جعلت منه رائدا في صناعة الفولاذ على المستوى الإقليمي.وتوالت عملية إتمام كل أقطاب المركب التي شكلت حلقات لإتمام الدورة الإنتاجية، بتدشين الموفلدات والمدرفلات على البارد والساخن بداية من منتصف شهر ماي سنة 1972، قبل أن يكتمل المركب سنة 1980 بتدشين الفرن العالي رقم 2. واحتل مركب الحجار منذ إنشائه، موقعا استراتيجيا في معادلة بناء الاقتصاد الوطني ضمن قاعدة الصناعة الثقيلة وفق مبدأ "صناعة مصنعة ومندمجة"، بمساهمته في استحداث شبكة وحدات صناعية عمومية وخاصة تعتمد على منتجات الحديد في نشاطها الاقتصادي. وتمكن مركب الحجار بعد استكمال وحدات دورته الإنتاجية ورفع قدراته الإنتاجية إلى نحو مليوني طن من الفولاذ السائل سنويا، من التحول إلى عملاق للحديد والصلب في كل المنطقة وظل رمزا لسياسة التصنيع بالجزائر وقاطرة لخيار التصنيع والإنعاش الاقتصادي.ورافقت الحركية التي استحدثها المركّب انتعاش الحياة الاجتماعية بمنطقة شرق البلاد، بتشغيل أكثر من 22 ألف عامل وساهم في إنعاش نشاط التكوين والبحث في مجال صناعة الحديد والصلب باستحداث وحدة للبحث على مستوى المركب وإبرام اتفاقيات تعاون في المجال البحثي مع جامعة عنابة، وفتح معاهد للتكوين المتخصص في صناعة الفولاذ بالإضافة إلى المساهمة بصفة فعالة في التكفل بتمهين وتكوين المتربصين بقطاع التكوين والتعليم المهنيين بالولاية. وضمن مساره التنموي واجه مركّب "سيدار" الحجار صعوبات حالت دون بلوغه مستوى المردودية التي تمكنه من ضمان توازنه الاقتصادي، حيث دخل سنة 2001 في شراكة أجنبية غير مجدية إلى غاية سنة 2016، أين قررت الدولة وضع حد لهذه الشراكة واسترجاع المركب كمؤسسة عمومية مندمجة للحديد والصلب تابعة لمجمع سيدار تدعى مركب سيدار الحجار. ومثل قرار إنهاء الشراكة واسترجاع المركب خيارا استراتيجيا بأبعاد اقتصادية واجتماعية تؤكد تمسك الدولة بمكاسبها الاقتصادية والاجتماعية وسعيها لمرافقة المركب الرمز لتمكينه من استعادة مكانته ضمن النسيج الصناعي الوطني والإسهام في الإنعاش الاقتصادي الوطني. واستفاد المركّب في هذا الإطار من مخطط للاستثمار على شطرين انطلق الأول منه سنة 2015، وشمل تحديث وإعادة تأهيل الفرن العالي رقم 2 ومنشآت الدعم بالمركب، لترتفع بذلك قدراته الإنتاجية إلى 800 ألف طن سنويا. كما مكنت جهود رد الاعتبار للمصنع سنة 2020، من تأكيد جودة منتجاته الحديدية ونوعية نمط التسيير، من خلال الحصول على شهادة المطابقة لمعايير التسيير والمانجمنت الدولية "إيزو 9001" بالإضافة إلى شهادة مطابقة جودة منتجات الأنابيب بدون تلحيم الموجهة لنقل المواد البترولية والغاز.ويتربع مركب سيدار الحجار على 832 هكتارا ويشغل 5748 عامل بقدرة إنتاج تصل إلى 800 ألف طن من المواد الحديدية المسطحة والطويلة وحديد الخرسانة والأنابيب وغيرها.وقام المركّب العام الماضي، بتصدير ما قيمته 65 مليون دولار من المواد الحديدية مع مراهنة مسيريه على إطلاق الشطر الثاني لمخطط الاستثمار الذي لا يزال عالقا والمتضمن تحديث وتجديد المفولدات والمدرفلات ووحدة الأكسجين واقتناء معدات خاصة بسلسلة الإنتاج لتمكين المصنع من استعادة قدراته الانتاجية التنافسية بتجاوز 1.2 مليون طن سنويا.