عُرضت مسرحية "المحتشد" للمخرج سيف الدين بن دار عن نص الكاتب جلال خشاب، مساء أول أمس بالمسرح الوطني الجزائري "محيي الدين بشطارزي" في الجزائر العاصمة، ضمن برنامج "شهر المسرح" الخاص بالعروض المسرحية التي أُفردت لها ميزانية استثنائية بمناسبة الذكرى الستين للاستقلال. والعرض أنتجه المسرح الجهوي "مصطفى كاتب" لسوق أهراس. العمل الذي دام 65 دقيقة، تطرق للنضال الجزائري المسلّح ضد المحتل الفرنسي، وهاجس انعتاق الشعب الجزائري من نيره وهو يعيش حصاره في المحتشدات العسكرية. وقصته تدور حول "عمي لخضر"، الذي ساهم في الحرب الفيتنامية، فبُترت رجله من أجل وعود فرنسا الاستعمارية باستقلال الجزائر، لكنه واصل كفاحه؛ لأنّ المحتل لم يوف بوعده رغم أنه قبع في المحتشد، وكان معه "سالم"، و"قمرة"، و"القومي" و"نجمة"، يعيشون كلهم تحت القمع العسكري الفرنسي. ولاحقا يتعاطف جندي فرنسي مع قصة "عمي لخضر"، الذي يتفاجأ بأن والد الجندي حارب إلى جانبه، ثم سرعان ما يستميله من أجل المساعدة والحصول على تصاريح بالخروج، والهروب من المحتشد. وقبل ذلك، يظهر عميل "القومي" بالعامية الجزائرية وهو يساهم في كسر فكرة المقاومة، والذي دائما يعيَّر بالخيانة وانعدام الرجولة، ليكتشف لاحقا أنه فدائي، أرسله جيش التحرير الوطني لمساعدة الجزائريين العالقين في ذلك المحتشد، والملقب ب«سي يوسف"، المجاهد الذي لم تعرف فرنسا الاستعمارية طريقا إليه. وتناولت المسرحية فكرة دور المرأة في نشر الوعي، ومساهمتها في الثورة من خلال شخصية "قمرة". كما أشارت إلى بسالة الرجال وشجاعتهم في مواجهة العدو. ودُعم العمل بسينوغرافيا أعدها الفنان عبد الرحمان زعبوبي، بسيطة لكن وظيفية، ساهمت في البناء الدرامي للنص. وهو عبارة عن سياج كبير يتوسط الخشبة في العمق. وحسب زعبوبي، فإن الميزانية المخصصة للمسرحية حالت دون أن يكون الديكور والأكسسوارات أكبر؛ تماشيا مع خصوصية العرض، لكنه قام بالشيء الذي رآه مناسبا للمسرحية ككل، وأن يكون سهلا في التركيب، والتفكيك، والنقل. وقال زعبوبي إن الفريق أعاد الاشتغال على النص؛ ذلك أن الفكرة مهمة جدا، لكن بنيته الدرامية الأولى لم تكن في المستوى؛ لذلك حدثت تغييرات في النص. وبالنسبة للمخرج سيف الدين بن دار، فإن العمل هذا هو ثاني إخراج له بعد مسرحية "ميلفاي". وفي مسرحية "المحتشد" أدخل عناصر الكوميديا نزولا عند ذوق المشاهد الجزائري، الذي يتقبل اللحظات الدرامية والكوميدية واللحظات الممتعة لكسب بقائه جالسا في مقعده طوال مدة المسرحية؛ لأن هناك مُشاهدا متلقّيا ضمنيا داخل العملية المسرحية. وهناك مشاهدٌ عادي، يأتي من أجل الفرجة؛ قال: "لذلك عملت على توفير الشروط الفنية المسرحية في العملية الدرامية؛ حتى نقدّم عملا فنيا متكاملا، من شأنه ضمان تمتّع المشاهد". وأشار المخرج إلى أن "العمل ليس ملحميا، وليس بالضرورة أن يكون كذلك لتمجيد الثورة التحريرية، كما ليس من الضروري إظهار الحرب والقتال وإطلاق الرصاص؛ فالثورة، أيضا، لها أبعادها الفكرية الأخرى". وختم المتحدّث: "نحن نطمح ليكون الشباب الواجهةَ الجديدة، الذين يضعون بصمتهم لمسرح جديد، ويرتقون به، ويصنعون طريقا للأجيال القادمة". وشارك في التمثيل كل من يسرى منار (قمرة)، وهناء شفرور (نجمة)، والعيد بن عمارة (سالم)، وبووشمة عابل (عمي لخضر)، ورغيس هارون الرشيد (الجندي بيار)، وتوفيق روابحي (القومي)، وحكيم بن خالد (الضابط الفرنسي). كما ساهم في بناء السينوغرافيا طلبة المعهد العالي لمهن العرض والسمعي البصري لبرج الكيفان. وأعد الموسيقى عبد العظيم خمري. وساعدت في الإخراج سمية بوناب. وحضر العرض وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، وأحمد راشدي مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالثقافة والسمعي البصري، إلى جانب ضيوف الملتقى الدولي حول المقاومة الثقافية الجزائرية خلال الثورة التحريرية.