قال شيخ الطريقة العلاوية السيد خالد بن تونس أن نجاح المؤتمر الدولي للذكرى المئوية للطريقة الصوفية العلاوية شهادة قاطعة على أن الجزائر منبع للعلم والمعرفة والمحبة، وذلك خلال اختتام أشغال المؤتمر أمس بمستغانم، حيث تناول طيلة سبعة أيام سبعة أسئلة كبرى طرحت للنقاش بحضور مفكرين وشخصيات سياسية قدموا من أربعين دولة من القارات الخمس. وقال الشيخ بن تونس لدى تنشيطه ندوة صحفية، أول أمس، أن اللقاء جاء خدمة للإنسانية عامة والرسالة المحمدية خاصة ولمجد وشرف الجزائر، مشيرا إلى أنه سمح بفتح أبواب المبادلات في أعلى مستوى لجميع المواضيع العلمية والثقافية والبيئية والروحية وغيرها. وأكد شيخ الطريقة العلاوية أن هذه التظاهرة أعطت للجزائر ولأهل التصوف والعلم والمعرفة صوتا ومكانة وعزة، مصرحا "قد أردنا أن نجعل في هذا البلد مسلكا ومخرجا لجمع الشمل بين أعضاء المجتمع مع اختلاف أرائهم ومشاربهم"، مضيفا أن ممثلي أكثر من 40 دولة من جميع القارات الذين يحضرون هذه الاحتفالية كلهم أتوا ليدعموا وليبرهنوا أن في الإنسانية لا يزال يوجد أمل، وتأسف بالمناسبة لعدم حضور عدد كبير من العلماء الجزائريين. كما تطرق السيد بن تونس إلى أهمية التصوف مبرزا أن التصوف يجمع بين الأصالة والمعاصرة ويعرض على المجتمع أفكارا لإنقاذه من المشاكل التي نعاني منها حاليا. من جهتهم، أكد المشاركون في الملتقى الدولي للذكرى المئوية للطريقة الصوفية العلاوية المنعقد بجامعة عبد الحميد بن باديس بمستغانم أمس، في ختام أشغالهم على ضرورة تعميم تعليم ثقافة السلام والأخوة فيما بين المجتمع الإنساني، وأوصوا بضرورة ربط الوسط الصوفي بشبكة للتعارف حتى يكون حضورهم في العالم أكثر قبولا. وتوج اليوم السابع والأخير من المؤتمر الدولي، الذي نُظم تحت شعار "زرع الأمل"، بتقديم ملخص للأيام الستة الأولى من اللقاء، إلى جانب توصيات تؤكد على أهمية تعميم وتنمية التشجير في كل مكان وإطلاق حملة وطنية لغرس شجرة "الأرقان"، ونشر تقنية الحديقة التكنولوجية المتقدمة على أوسع نطاق، وكذا فتح برنامج تعليمي في المدارس حول التنمية المستدامة والمحافظة على النظم الاقتصادية، بالإضافة إلى إنشاء معهد في إطار المؤسسات خصوصا على مستوى الجامعات لمعالجة المياه والنفايات، حيث عالج المشاركون في اللقاء مخاطر تدهور المحيط البيئي على الإنسان داعين إلى ضرورة العمل الجماعي والفوري للحد من الأضرار التي تلحق بالأرض، مشددين على دور الزراعة الأسرية والمحاصيل الغذائية في تأمين الأمن الغذائي ومكافحة الفقر مبرزين أهمية وعي الفرد بخصوصياته وتنمية قدراته ودور ذلك في المساهمة في إخراجه من دائرته المغلقة التي فرضت عليه باسم المناهج والنماذج المختلفة. وأشار المشاركون إلى دور الدين الإسلامي في لمّ الشمل وتحقيق المحبة والتسامح والأخوة والعيش في سلام داعين إلى تغيير السلوكات وتكييفها مع متطلبات التنمية المستدامة. وتناول المؤتمر موضوع الإعلام والاتصال وتحدياته، مشيرين إلى أهمية دوره في خدمة المجتمع والإنسانية وداعين إلى حماية مستعملي الانترنت لاسيما منهم الأطفال. "منح العولمة روحا" لتصبح مكانا لالتقاء الحضارات والفكر في سياق مناقشتهم لموضوع العولمة وعلاقتها بالتصوف. ومن جهة أخرى، عالج موضوع التصوف " أهمية الروحيات في معالجة مشاكل العصر، حيث أضحى من الضروري "العودة إلى الحياة الروحية وتجديد العلاقة بين الكون والبشر ومع الذات نفسها. كما تناول الموضوع دور الطرق الصوفية في نشر الإسلام في العالم وتلقين تعاليمه والعلوم القرآنية خاصة في إفريقيا والصين والهند ومنطقة البلقان. وأبرز المشاركون التحديات الواجب رفعها من أجل ظهور المواهب وتجسيد مشاريع وإنجازات ملموسة لبناء عالم الغد، وأكدوا على ضرورة العودة إلى الحياة الروحية وتجديد العلاقة مع الكون ومع البشر ومع الذات وذلك من خلال القيم المؤسسة للإنسانية الحقيقية، خاصة أمام ازدياد المشاكل والمعاناة في العالم ولهف الإنسان وراء ثروات متراكمة وإشباع الرغبات الزائفة. كما أجمع المتدخلون في المؤتمر طيلة الأسبوع على أن الاهتمام بالروحيات من شأنه إشاعة قيم التسامح والفضيلة وترقية ثقافة السلم مما يسمح بمواجهة العديد من المشاكل والأزمات التي يعاني منها المجتمع. وفي هذا الشأن، أوضح الدكتور عبد الله بوخلخال رئيس جامعة الأمير عبد القادر ورئيس مؤسسة الإمام عبد الحميد بن باديس، أن التربية الروحية وفق التعاليم الإسلامية تعلم الإنسان قيم المحبة والتسامح والإخاء والتعايش في سلام مع الغير، مشيرا إلى أن العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تدعو إلى ذلك وإلى الإصلاح. وقال الدكتور محمد محمود أبو هاشم من جامعة الأزهر بمصر "علينا الاقتداء بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، وبذلك نرتقي إلى مجتمع يسوده التسامح والمحبة والإخاء، فالرسول (ص) كان إمام المتسامحين وهو أول من عفا، مضيفا أن العفو أساس من الأسس التي تقوم عليها الشريعة المحمدية. ومن جهتها، أوضحت الدكتورة هدى محمود درويش من جامعة الزقازيق بمصر أن التربية الروحية تشيع القيم والمثل الأخلاقية والعملية لنشر التسامح والمحبة بين أفراد الإنسانية بغض النظر عن الأديان والأجناس واختلاف اللغات. وأكد من جانبه الدكتور احمد بوسنة من جامعة فرحات عباس بسطيف على مدى حاجة المجتمع للروحيات لخلاصه من المعاناة التي يعيشها والناجمة عن التعصب الديني والتطرف وعدم التسامح والتي تؤدي إلى تدمير المجتمع بل وإلى تدمير ذاتي، معتبرا ان القيم الروحية هي مدد للإنسان تمكنه من التغلب على الصعاب والتحرر من السلوكيات الهدامة والمنحرفة والأهواء وتجاوز الخلافات والنزاعات والتحلي بالأخلاق الفاضلة مما يسمح له بالتعايش السلمي مع الآخرين والتعاون والتضامن معهم.