❊ وزير الخارجية المغربي جمّد اتحاد المغرب العربي ووضعه تحت رقابة المخزن ❊ لا يمكن إنعاش كيان في حالة موت دماغي منذ 30 عاما ❊ الرئيس تبون لم يخف يوما نواياه في إطار خارطة الطريق الثلاثية ❊ إنشاء 5 مناطق للتبادل الحر رغم "السلوك العدائي" لحكومات بعض الدول ❊ الجزائر رافقت اقتراحها بديناميكية للملفات الاستعجالية وتمهد الطريق لدول الجوار ❊ المغرب فضل تحالفات مع الكيان الصهيوني والانتماء لهياكل تنظيمية بالمشرق ❊ منح ورواتب موظفي اتحاد المغرب العربي عبء على الدول الأعضاء منذ 30 عاما ❊ مبادرة حازمة من رؤساء مجموعة الثلاث لإنشاء اتحاد استراتيجي للتكيف مع التغيرات كرّس عقد تأسيس المبادرة الثلاثية الجزائرية-التونسية-الليبية دبلوماسية البراغماتية، حيث شكل ظهور هذا التكتل الإقليمي الجديد، دليلا على أن الحركة في السياسة مثلما هو الشأن في الحياة، دائما ما تكون أفضل من الجمود. اختلف الملاحظون حول تسمية القمّة التي جمعت الرؤساء الثلاثة الجزائريوالتونسي والليبي بين "اتفاق قرطاج" و"اتحاد المغرب العربي مكرر" و"ثلاثي تونس"، كما كانت للمشككين توقعات حول نتائج هذه الثلاثية متنبئين بعدم انعقادها أبدا. إلا أنه في يوم 22 أفريل انعقد لقاء تأسيسي لنهج جديد، وفي السنة القادمة 2025 سيكون قد مرّ 30 عاما بالضبط على الإعلان عن شهادة الموت السريري لاتحاد المغرب العربي والذي لم يعد موجودا في الواقع. وكان وزير الشؤون الخارجية المغربي فيلالي قد أعلن حينها عن تجميد اتحاد المغرب العربي ومنذ ذلك الحين تم تعطيل كافة مؤسّسات الاتحاد باستثناء الأمانة العامة لهذا "الاتحاد" التي وضعت تحت رقابة المخزن الذي كان يؤجرها ويستخدمها عند الضرورة لإضفاء الشرعية على أعماله من خلال موافقة مزعومة لهذا الاتحاد المغاربي. ولتذكير أصحاب الذاكرة الضعيفة، فإنه في سنة 1995 كتب وزير الشؤون الخارجية المغربي فيلالي لنظرائه باتحاد المغرب العربي ليبلغهم عن تجميد هذا الاتحاد، ومنذ ذلك الوقت وبحجة مشكلة الصحراء الغربية، لم يعد هناك وجود لاتحاد المغرب العربي. وإذا كان قد تم الابقاء على أمين عام لاتحاد المغرب العربي، فإن هذا الأخير قد تم التكفل به جيدا من طرف القصر الملكي، حيث تحوّل إلى "دبلوماسي مغربي تابع" عوض أمين عام للاتحاد المغاربي الذي يتواجد في حالة موت سريري. ومن ثم، فإن لقاء قرطاج كان فرصة للتطرق للوضعية الهامدة لهذا الاتحاد، فأي كان الطبيب الممارس، لن يصعب عليه الاستنتاج بوضوح أنه بعد غيبوبة عميقة لا مناص منها، لا يمكن إنعاش كيان كان خلال هذه المدة الطويلة في حالة موت دماغي، وهي الحالة التي تنطبق على اتحاد المغرب العربي. الطريف في الأمر، هو كون الجزائر التي اتهمت أنها المسؤولة عن هذا الوضع، وهي من دعت أشقائها المغاربة، بمناسبة انعقاد منتدى رؤساء الدول المصدرة للغاز المنظم بالجزائر العاصمة في مارس المنصرم، إلى التفكير في سبيل آخر، فتونس بدورها قد حذت حذو الجزائر بتنظيم قمة قرطاج. الرئيس تبون لم يخف يوما نواياه عندما يتعلق الأمر بالتعاون والتبادلات السياسية والاقتصادية في إطار إعداد خارطة الطريق الثلاثية، وقد سبق انعقاد القمة عدة إعلانات، على غرار إنشاء خمس مناطق للتبادل الحر مع ماليوموريتانيا والنيجر وتونس وليبيا تحديدا، وإن كانت لحكومات بعض دول هذه المجموعة سلوك عدائي. وترمي هذه المبادرة لتمهيد الطريق، ريثما تعود دول الجوار إلى رشدها، والمعروف فإن كل الدول الإفريقية منظمة اليوم في إطار مجموعات إقليمية، باستثناء شمال إفريقيا وذلك بسبب المغرب الذي فضل تحالفات مع الكيان الصهيوني ومحاولة الانتماء لهياكل تنظيمية أخرى بالمشرق. فمنذ 30 سنة، تشكل مساهمات ومنح ورواتب موظفي اتحاد المغرب العربي عبءا بالنسبة للدول الأعضاء التي هي في غنى عنه. إلا أن الجزائر التي احتلت الصدارة في المجال الدبلوماسي، رافقت اقتراحها بديناميكية براغماتية شملت الملفات الأكثر استعجالا، على غرار أمن الحدود المشتركة ومكافحة الهجرة غير الشرعية وإطلاق مشاريع استثمارية كبرى تخص الطاقة وإنتاج الحبوب وتحلية مياه البحر والتحديات المناخية. وقد تم تعيين مجموعات عمل مشتركة لتسريع تحقيق هذه الرؤية، مع التوقيع على اتفاق لمعالجة ملف المياه الجوفية المشتركة في منطقة شمال الصحراء بين الجزائروتونس وليبيا الذي كان مصدرا لتوترات كامنة بين الدول الثلاث منذ استقلالها، ويدل هذا على أن الإمساك بزمام الأمور يجسد مسعى إعلان قرطاج. وقد كان للرؤساء عبد المجيد تبون وقيس سعيد ومحمد يونس المنفي الجرأة في رفض الوضع المتردي لاتحاد المغرب العربي وشرعوا في مبادرة حازمة تتعدى مجرد التواجد في مجموعة الثلاث إلى إنشاء اتحاد استراتيجي للتكيف مع التغيرات الإقليمية والدولية. ويمثل إنشاء مجموعة الدول الثلاث خطوة أولى لتأسيس حلف دول شمال إفريقيا الذي ستنضم إليه موريتانيا يوما ما. ولا يمكن سواء للاتحاد الأوروبي غض الطرف عن تطلعاتهم المشتركة نظرا للموقع الجغرافي وللموارد التي يزخر بها الشركاء الثلاثة، ولا للاتحاد الإفريقي نظرا لقوة هذا التكتل المترابط، ناهيك عن الدول التي تتدخل في شؤون الآخرين والتي لن تستسيغ هذا العمل الجماعي الذي يجسد السيادة. ويعد التحالف الذي نشأ في قرطاج جديرا بكونه بديلا إقليميا استباقيا سيفرض نفسه بمرور الوقت كشريك موثوق ومسؤول تجاه الكيانات الشريكة الأخرى، وعلى ذلك، فإن المغرب العربي قد انتقل من الشعارات إلى الأفعال، أحبّ من أحبّ وكره من كره.