أجمع مختصون في الشأن الأفغاني أن الدول الغربية أصبحت تجد نفسها في موقع ضعف حقيقي ومأزق صعب عليها الخروج منه رغم الإمدادات العسكرية والبشرية التي ما انفكت تبعث بها إلى هذا البلد في محاولة لتحييد حركة طالبان. وربط هؤلاء درجة الفشل الغربية في أفغانستان بالزيارة التي قام بها بشكل مفاجئ أول أمس الوزير الأول البريطاني غوردن براون وحملت عدة دلالات في هذا الاتجاه وخاصة وأن الدول الغربية المتورطة في هذا المستنقع أصبحت محاصرة بضغط متزايد من الرأي العام الداخلي فيها الذي يشدد على مطالبتها بتقديم تبريرات على تورطها العسكري والمالي. وزادت درجة مخاوف الدول الغربية بشكل لافت منذ الانتخابات الرئاسية يوم 20 أوت الجاري والتي تحولت إلى مصدر قلق إضافي بعد أن تزايدت اتهامات المعارضة باتجاه الرئيس حامد كرزاي بتزوير الانتخابات على نطاق واسع لضمان فوزه بعهدة رئاسية ثانية. وأصبحت مختلف العواصمالغربية التي زجت بقوات عنها في المستنقع الأفغاني تبدي مخاوف متزايدة لأن تتحول نتائج هذه الانتخابات إلى نقمة حقيقية بعد أن كانت ترى فيها فرصة لتعزيز مكانة الرئيس الحالي وتحقيق الاستقرار السياسي المفقود في هذا البلد. وأصبح شبح الثورة البرتقالية التي كادت تعصف بالنظام الإيراني تلقي بظلالها على الوضع العام في هذا البلد ولكن بحدة اكبر إذا أخذنا بعين الاعتبار تركيبة المجتمع الأفغاني المبني أساسا على نظام قبلي عشائري مما يزيد في تعقيد الوضع في حال حدوث اضطرابات شبيهة بتلك التي شهدتها إيران لقرابة شهر كامل. وهو ما جعل بعض المتتبعين يربطون زيارة براون المفاجئة إلى كابول بهذه المخاوف وأن الوزير الأول البريطاني انتقل إلى العاصمة الأفغانية لتوجيه رسائل واضحة وصارمة للرئيس كرزاي ومنافسه المباشر عبد الله عبد الله بعدم الدفع بالأمور باتجاه التعفين الذي لا يمكن التحكم فيه. وبدأت بوادر الحرب الأهلية تطغى على الجو الأفغاني العام منذ اليوم الأول للانتخابات عندما راح كرزاي وعبد الله كل من جهته يؤكد انه الفائز في الانتخابات وسط حمى متزايدة بين أنصارهما تنذر بتصعيد متواصل قد يؤدي إلى المواجهة المفتوحة بينهما. وأصبح الوزير الأول البريطاني يجد نفسه في حرج متزايد وهو يرى نعوش جنود القوات الملكية عائدة إلى مختلف المطارات العسكرية البريطانية في وقت تتعالى فيه أصوات منظمات ورأي عام بريطاني مطالب بسحب هذه القوات من أفغانستان. وتعيش دولا مثل فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة نفس هذه الضغوط وسط مؤشرات متزايدة لتعقيد الوضع والمواجهة المفتوحة مع قوات حركة طالبان وهو ما يعني مزيدا من القتلى في صفوف القوات الغربية المقدر تعدادها إلى حد الآن بأكثر من 100 ألف عسكري. عدد مرشح للارتفاع في ظل الدعوات الملحة لقادة الحرب هناك بضرورة إرسال المزيد من القوات على اعتبار أن السنة القادمة ستكون مصيرية وحاسمة للتواجد الغربي في أفغانستان. وهو الضغط الذي جعل مختلف العواصمالغربية المتورطة في الحرب الأفغانية تراهن على ورقة تدريب وإعداد قوات أفغانية كافية ومؤهلة لتحمل مسؤولياتها في مواجهة طالبان في تكرار لحلقة شبيهة بتلك التي وقعت في العراق والتي أثبتت فشلها بعد أكثر من ست سنوات من الحرب الأمريكية في هذا البلد. وتكون تجربة العراق هي التي دفعت بالوزير الأول البريطاني إلى الترويج لبديل إجراء اتصالات مع حركة طالبان من اجل البحث عن مصالحة بينها وبين النظام القائم في كابول وهو رهان حتى وإن بقي منطقيا ومقبولا في حرب من شاكلة الحرب الأفغانية فإن حسابات الربح فيه غير مضمونة بسبب حساسية موقف الرفض الذي تبديه طالبان لمثل هذا الخيار وخاصة وأنها تصر على استعادة سلطتها المسلوبة منها قبل تسع سنوات.