بدأت قناعة التفاوض مع حركة طالبان الأفغانية تجد طريقها إلى تكريس التدريجي كخيار حتمي في أوساط حكومات الدول المتورطة في المستنقع الأفغاني بعد تأكد استحالة تحقيق الحسم العسكري في هذا البلد بعد سبع سنوات من المواجهات الدامية. والتحق وزير الدفاع الامريكي روبيرت غيتس بقائمة المؤيدين لفكرة التفاوض مع حركة طالبان بعد ان يئست إدارته من تحقيق نصر عسكري على مقاتلي هذه الحركة بعد ان بسطوا سيطرتهم على العديد من المحافظات التي كانت الى وقت قريب تحت سلطة القوات النظامية الأفغانية وقوات الاحتلال الدولية. وإذا كان وزير الدفاع الأمريكي رفض ما أسماه بسياسة الفشل والخنوع في تلميح إلى تصريحات قائد القوات البريطانية في أفغانستان، إلا انه اعترف ضمنيا بهذا الفشل عندما أكد أن خيار الجلوس إلى الطاولة مع قيادة حركة طالبان لم يعد مستبعدا. ويعد هذا أول تراجع في مواقف احد صقور جهاز المخابرات الأمريكية والبنتاغون الذين دافعوا على فكرة احتلال أفغانستان والعراق للإطاحة بنظاميهما بقوة السلاح. ويتذكر المتتبعون للتطورات التي عرفتها الحرب الأفغانية تلك التصريحات المفرطة في التفاؤل التي كان يدلي بها روبرت غيتس وسابقه دونالد رامسفيلد ومعظم المسؤولين الأمريكيين الذين تعاملوا مع الحرب الأفغانية والذين اعتبروا أن القضاء على مقاتلي طالبان ومن يدعمهم من منتسبي تنظيم القاعدة أولوية ملحة وان ذلك لم يعد سوى مسألة وقت فقط. ومرت سنوات الحرب متلاحقة وبدلا من تحقق هذا الرهان فقد وجدت الإدارة الامريكية نفسها مرغمة على قبول الجلوس الى الطاولة وبدأت فعلا في تمهيد الطريق لهذه الفكرة حتى تحفظ ماء الوجه وتفادي الهزيمة العسكرية بعد ان استحال عليها تحقيقها رغم الزج بحوالي 70 ألف عسكري أمريكي وأطلسي ضمن قوات التحالف الدولي المحتل لأفغانستان. ويبدو أن كل هذا التعداد لم يعد قادرا على احتواء وضع عسكري ما انفك يزداد تدهورا إلى درجة جعلت وزير الدفاع الأمريكي لا يستبعد ممارسة ضغوط إضافية على حلفاء بلاده في عملية الاحتلال ودفعها إلى إرسال مزيد من القوات في مسعى للتقليل من العمليات التي تقوم بها قوات حركة طالبان ضد هذه القوات. وقد اعترف غيتس بالمأزق العسكري الذي وقعت فيه بلاده وقال إننا نواجه متاعب حقيقية في أفغانستان ولكنه لا يجب أن نصاب بعقدة الفشل والتقليل من فرص تحقيق النصر ولو كان ذلك على المدى الطويل". وتؤكد هذه العبارة الأخيرة حقيقة ما يجري في أفغانستان من تردي للأوضاع العسكرية وأيضا النية الامريكية الرامية إلى البقاء لأطول مدة في هذا البلد بدعوى محاربة الإرهاب الدولي. وبدأت فكرة التفاوض تجد طريقها إلى المستنقع الأفغاني عبر الرئيس الأفغاني حميد كرازاي ثم وزير دفاعه محمد عبد الرحيم رزدوك قبل أن ينظم إليهما قائد القوات البريطانية في أفغانستان الذي قال بأنه لا يجب أن نوهم أنفسنا بنصر عسكري حاسم في أفغانستان. ولم تعد الولاياتالمتحدة تتحمل عبء الإنفاق الضخم على الحربين في أفغانستان والعراق خاصة مع الأزمة المالية التي دخلها النظام الرأسمالي وتوسعت رقعتها من الولاياتالمتحدة لتضرب كل الاقتصاد العالمي مما أصبح يهدد بركود الاقتصاد الأمريكي وبالتالي عجز الحكومة الامريكية من توفير مئات ملايير الدولارات التي يتحتم عليها ضخها في المجهود العسكري في المستنقعين الأفغاني والعراقي.