أقام الفنانان منى حسين وأحمد أمين سالم معرضهما المشترك "روائع الفن الجزائري" برواق "عائشة حداد" إلى غاية 13 أكتوبر الجاري، حاملَين معهما تجربتهما الفتية التي يصران على تقديمها للجمهور والنقّاد بكلّ فخر واعتزاز؛ لما حّققته من إبداع وتميّز، مبديَين رغبة في شدّ العزم لدخول تجارب فنية أوسع. أشار الفنان الشاب أحمد خلال حديثه إلى "المساء" ، إلى أنّه يقدّم في لوحاته المعروضة، معالم أثرية وطبيعية من الجزائر بأسلوب الواقعية، علما، كما أضاف، أنه يعتمد على الصور والطاقات البريدية القديمة، وبالتالي إعادة رسمها بأسلوبه الخاص. كما يحرص على رسم بعض المعالم التي اختفت، أو التي كانت حالها أفضل مما عليه اليوم؛ كنوع من الحنين، ومن التحسيس أيضا؛ للحفاظ على ما تبقّى، ورعاية تراثنا بشكل أنجع. وبدأت مسيرة هذا الفنان الشاب في مرحلة الطفولة، وبتشجيع من العائلة المولعة بهذا الفن، ليستمر في ممارسة هوايته بثقة وطموح. وعند بلوغه 16 من عمره تحقّق حلمه في إقامة معرضه الأوّل، الذي كان برواق "محمد تمام" بالجزائر العاصمة. وعرض الفنان في معرضه هذا الكثير من اللوحات التي تعكس البهجة، والانطلاق نحو حياة أجمل وأنقى بصفاء طبيعتها، وبأصالة معالمها المنتقاة من هنا وهناك، والممتدة على مساحة الجزائر الشاسعة. ومن أبرز ما قدّم الفنان حي القصبة العتيق بمعالمه البارزة؛ منها المساجد؛ كجامع سيدي محمد الشريف، وسيدي رمضان، وكذا سيدي بنور، والأميرالية، وغيرها كثير. وانتقى الفنان الكثير من المناظر الطبيعية الخلابة سواء من الشمال أو من الجنوب، علما أنه، كما قال، رسمها من بعض الصور، أو من خلال تنقّله إليها. كما رسمها على المباشر، ومنها، مثلا، غابة مداد بثنية الحد، وكذا طبيعة ومعالم بوسعادة وبسكرة. وقال إنّ لديه الكثير من اللوحات عن الصحراء، لكن لم يسعها المعرض، واعدا الجمهور بعرضها مستقبلا. وكان الفنان يؤكد في كل مرة، أنه مرتبط بكلّ ما هو تاريخ وتراث؛ لكونه يحمل الأصالة والجمال والخصوصية، خاصة أنّ تجسيده لذلك يكون ضمن إطار الزمن الماضي، علما أنّ أغلب روائع التراث جسّدها الفنانون المستشرقون، وبقيت حية من فرط إلمامها بهذا الواقع. وخلال تجوالها بالمعرض اكتشفت "المساء" لوحة شدّت الزوّار، رُكّبت فيها المتناقضات. وعندما سألت صاحبها أحمد سالم قال: "هذه لوحة عن فلسطين، يقف فيها مهرّجان (لاعبان) فوق لعبة الشطرنج، أحدهما ضعيف، والآخر قوي، علما أنّ الضعيف يحمل وراء ظهره سكينا، منتظرا الوقت المناسب لاستعماله ضدّ المهرج الكبير. والخلفية الحمراء للوحة تدلّ على الحرب، وفيها أيضا علَم فلسطين". وسألت "المساء" الفنان عن سبب اختياره المهرج، فأجاب أنّه يمثل الشخصية الغامضة؛ لا يستطيع الناس معرفة هل هو حزين أو ضاحك، أو تحديد أيّ شعور داخله؛ فقد يبتسم وهو في قمة غضبه. "أزفون ومناظر أخرى" تقدّمت الفنانة منى حسين بدورها، لتفرغ ما في جعبتها من أعمال. ولم تخرج، هي أيضا، من دائرة التراث والطبيعة. منى متحصّلة على شهادة في الدراسات العليا تخصّص فيزياء وكيمياء. ولها مشروعها الخاص. لكن كلّ ذلك لم يُنسها هذه الهواية الجميلة لتقول ل"المساء": "أنا ابنة تيزي وزو، وبالضبط من أزفون حيث ترعرعت، وأحببت الطبيعة، والتقاليد القبائلية الأصيلة. وتعزّزت موهبة الرسم عندي في فترة الكوفيد. والبداية كانت بالخطّ العربي، وبعض الزخرفة. اجتهدت لوحدي، وقدّمت لوحات أعجبت من رآها من محيطي القريب، فكان التشجيع خاصة من عائلتي الصغيرة. ثم توسَّع اهتمامي وتجربتي. وانتقلتُ إلى الرسم بالألوان الزيتية؛ كنوع من التحدي والاكتشاف". ومن اللوحات التي توقّفت عندها الفنانة لوحة "منظر على البحر" ، قالت إنّها تمثل بحر مدينتها أزفون ذات الجمال الرباني. وكذلك لوحة جرجرة خلال الشتاء. وهنا أشارت إلى أنّ طبيعة منطقة القبائل تزداد حسنا في الربيع والشتاء. وفي إحدى اللوحات يبرز الغروب وهو يعانق الأشجار. ومن خلال الظلال تتراءى قيثارة بأوتارها، قالت منى إنّ ذلك مقصود منها؛ للتعبير عن حبّها للموسيقى. وفي لوحة تبرز عازفة بيانو بأسلوب كلاسيكي راق. ولوحات أخرى ذات لون وردي أنثوي هادئ؛ حيث تتوالى الزهور والورود من كلّ شكل ونوع. وجسّدت منى، أيضا، البيئة القبائلية التقليدية؛ لذلك ثمّنت ظهور الفوطة مثلا، في الديكور، والأواني الفخارية المزركشة بخلفية جدران الحجر المعروفة في البيت التقليدي القبائلي. وهنا قالت إنّ أحد النقّاد الذي زارها في المعرض، لامها؛ إذ لم تعطَ لوحة التراث القبائلي حقها من النور، وبذلك تظهر القطع أجمل وأوضح. ورغم ذلك فإنّ اللوحة شدّت إعجاب الجمهور. وقدّمت سلسلة من اللوحات الصغيرة بها نماذج من الطبيعة الخضراء، خاصة في فصل الربيع، تتصدّرها زهور الأقحوان، وكذا الطبيعة الميتة. وفي الأخير، عبّرت الفنانة عن أملها في أن ترسم مناطق أخرى من الجزائر؛ منها، مثلا، القصبة، مؤكّدة أن الجمهور لا يكفّ عن تشجيعها عبر كلّ المعارض التي قدّمتها في كثير من الأروقة بتيبازة وشرشال وبومرداس والبليدة وتيزي وزو والعاصمة وغيرها. كما تمنّت أن تخوض تجربة أساليب فنية أخرى، مؤكدة أنها تظل تلتزم بتوجيهات النقّاد والفنانين.