تسود في العائلات الجزائرية حالة عدم فهم ما جاء في قانون الأسرة المعدّل، في شقه المتعلق بإمكانية فقد الأم المطلّقة، حضانة أبنائها إن قررت الزواج؛ ما دفع بالكثيرات إلى رفض خوض التجربة من جديد، أو الموافقة على الزواج العرفي؛ للاحتفاظ بحضانة الأبناء، في الوقت الذي يغفل الكثيرون، عن أن القاضي يتمتع بالسلطة التقديرية الواسعة في موضوع الحضانة، التي يراعي فيها، في المقام الأول، مصلحة الطفل المحضون، والتي، حسبما أكد عدد من رجال القانون، تبقى للأم حتى بعد إعادة الزواج؛ حيث تُرفض كل القضايا المتعلقة بإسقاط الحضانة عنها؛ حفاظا على مصلحة الأطفال. "المساء" حاولت من خلال هذا الربورتاج، الوقوف على مجموعة من الأخطاء في فهم قانون الأسرة المعدل في شقه المتعلق بحضانة الأبناء؛ من خلال تسليط الضوء على عينات لنساء اخترن العزوف عن الزواج، وأخريات جازفن بالزواج العرفي، ورأي المختصين في القانون؛ من محامين ورجال دين في الموضوع، وحق المطلقة في الزواج دون فقد الحضانة. ورصدت "المساء" من خلال الاستعانة ببعض الجمعيات التي تعنى بحل المشاكل الأسرية خاصة ما تعلق منها بقضايا الطلاق، رصد بعض العينات لنساء مطلقات عشن هاجس الخوف من فقد الحضانة، فقررن العزوف عن الزواج رغم صغرهم في السن، وحاجتهن إلى إعادة بناء حياة عائلية جديدة. ومن بينهن السيدة "كوثر. ع" مطلقة ولديها طفل. وحسبما كشفت عنه، فإن زواجها لم يعمّر طويلا. فبعد مرور سنة فقط، قرر زوجها الانفصال عنها؛ بسبب نشوب بعض الخلافات بينها وبين والدته. وبعدما حازت على الطلاق وقررت التكفل بتربية ابنها والبحث عن عمل، صادفتها بعض الفرص لإعادة الزواج، غير أنها تقول: "رفضت خوفا من فقد حضانة ابني". وحسبها، فإن التجربة السيئة التي عاشتها مع زوجها ولّدت لديها صدمة، جعلتها تعزف عن الزواج. وبعدما بلغها أن إمكانية إعادة الزواج تُفقدها الحضانة، وفقا لما جاء في قانون الأسرة، زادها الأمر إصرارا على الرفض. وعلى الرغم من صغر سنها إذ لم تتجاوز 27 سنة، إلا أنها ترفض الفكرة بسبب هاجس الحضانة، وهي حال الكثيرات من اللواتي اخترن ولوج عالم الشغل، والتضحية بالارتباط. المجازفة بالزواج العرفيّ للاحتفاظ بالحضانة عيّنة أخرى لسيدة حاولت، حسبما كشفت ل"المساء" ، التلاعب؛ من خلال الموافقة على إعادة الزواج، ولكنها اختارت، حسبها، الطريق الخطأ؛ حيث وافقت على الزواج العرفي؛ قالت: "اليوم أعيش مشاكل كثيرة"، مشيرة إلى أنها معرّضة لأن تفقد حضانة ابنتيها بسبب إقدامها على إبرام عقد زواج عرفي. وحسبها، فإن المسؤول الأول عن هذا القرار هو عدم قدرتها على إعادة الزواج؛ خوفا من فقد الحضانة على ابنتيها اللتين حاول والدهما لأكثر من مرة، إثبات أنها غير كفءة؛ من أجل انتزاع الحضانة منها. وإذا كان بعض النساء المطلقات يرفضن الزواج، فإن أخريات، حسبما كشفت عن ذلك رئيسة جمعية نور للمرأة والأسرة والطفل، الأستاذة دليلة حسين، يرغبن في إعادة بناء حياة زوجية جديدة. غير أن خوفهن من احتمال فقدان الحضانة بعد أن أعيد ترتيب الحضانة من الأم إلى الأب بموجب التعديل الأخير في الشق المتعلق بالحضانة، جعلهن متخوفات؛ أوضحت دليلة حسين بقولها: "الأمر يتطلب العودة إلى العمل بقانون الأسرة لسنة 2005 قبل التعديل، الذي كان أكثر مرونة. ويكفي أنه مستمَد من الشريعة الإسلامية " ، داعية، بالمناسبة، إلى استحداث مجالس للوساطة بعيدا عن المحاكم؛ لنشر الوعي، والتأهيل الأسري، تقوم به جمعيات تهتم بشؤون الأسرة. وحسبها، فإن هذه المجالس أصبحت مطلبا مجتمعيا لصعوبة إجراءات التقاضي في قضايا الأسرة وأحكامها، علاوة على التفكك الأسري، والانحلال الخلقي، والاضطرابات الاجتماعية، وعدم الاستقرار الأسري، لافتة إلى أن بعض المناطق في تيزي وزو وغرداية لاتزال تعمل بمجالس الصلح. وقراراته تجد صدى كبيرا في المجتمعات. رأي المختصين في القانون مختلف فقدان الحضانة إشاعة مردها الفهم الخاطئ للتعديل أجمع عدد من رجال القانون والمحامين على أن كل ما يروَّج له حول فقدان المرأة المطلقة حقها الشرعي والقانوني في حضانة الأبناء بعد فك الرابطة الزوجية، غير صحيح، و"ما هو إلا إشاعة"، وأن ما يتم الترويج له، راجع إلى الفهم الخاطئ لفحوى النص القانوني المعدل. وحسب المحامي ساهل فؤاد، فإن القانون واضح في ما يتعلق بمسألة الحضانة. فبالرجوع إلى النص القانوني نجده، حقيقة، يقر في المادة 62 من قانون الحضانة في قانون الأسرة الجديد 2024 الذي يعرّف الحضانة بأنها رعاية الولد، وتعليمه، والقيام بتربيته على دين أبيه. والسهر على حمايته، وحفظ صحته. أما المادة 64 من قانون الطلاق في الجزائر، فهو ينص على أن الأولى بحضانة الطفل، حسب الأهمية والترتيب، هم: الأم، ثم الأب، ثم الجدة للأم، ثم الجدة للأب، ثم الخالة، ثم العمة، ثم الأقربون درجة مع مراعاة مصلحة المحضون في كل ذلك، مشيرا إلى أن المادة 65 من قانون الحضانة الجديد 2024، تحدد مدة حضانة الذكر ببلوغه 10 سنوات. أما في حالة الأنثى فببلوغها سن الزواج. كما يحق للقاضي أن يمدّد مدة الحضانة بالنسبة للذكر، إلى 16 سنة إذا كانت الحاضنة أمّاً لم تتزوج ثانية، على أن يراعَى في الحكم بانتهائها مصلحة المحضون. بينما المادة 66 من قانون الأسرة الجزائري، فهي تنصّ حسب المحامي، "على إسقاط حق الحضانة بالتزويج بغير قريب محرم، وبالتنازل ما لم يضر بمصلحة المحضون" . وفي هذه النقطة بالذات، يؤكد المتحدث أن الإشكال الذي وقع عند المطلقات، اعتقادهنّ أنهن بمجرد الرغبة في الزواج، يفقدن حق الحضانة، وهو "أمر غير صحيح" . وأوضح المتحدث: "تصلنا العديد من الاتصالات في هذا الباب. وللتوضيح، فإن المرأة حتى وإن قررت إعادة الزواج لا تفقد الحضانة. والسلطة التقديرية تعود للقاضي الذي يعيّن مختصة اجتماعية تبحث في الأمر؛ لمعرفة أين هي مصلحة المحضون التي تُعد المقياس الأساس في موضوع الحضانة"، مؤكدا أن القضايا العديدة في باب الحضانة التي رُفعت من طرف الزوج، رُفضت، وأحيلت الحضانة للأم؛ لأن مصلحة الطفل معها. من جهته، أكد المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا الأستاذ "عبد القادر. ع"، أن من غير المعقول أن تُحرم المرأة المطلقة من حقها في إعادة الزواج؛ بسبب الخوف من فقدان الحضانة، وأن ما يجري الترويج له، عبارة عن إشاعة، مردها الفهم الخاطئ لما جاء في القانون. وأضاف: "لكن الكثير من القضاة في القضايا التي تتعلق بإسقاط الحضانة على الأم، ترفض لاعتبارات اجتماعية ونفسية أكثر، وهذا يقودنا إلى فتح قوس حول ما يتمتع به القاضي من سلطة تقديرية، تمكّنه من الإبقاء على الأبناء مع أمهاتهم حتى بعد الزواج، خاصة إن كان الزوج قد أعاد الزواج". وحسب المتحدث، فإن المطلقة يمكنها إعادة الزواج دون أن تفقد الحضانة، مع أخذ بعين الاعتبار مصلحة المحضون التي تُعد أولوية، ولأن الواقع أثبت أنّ هنالك ضررا يقع على الأبناء إن تم إبعادهم عن أمهاتهم، مشيرا في السياق، إلى أن معدل الطلاق في المجتمع الجزائري ارتفع، بشكل كبير، حسبما تستقبل المحاكم من قضايا؛ لاعتبارات مختلفة، بعضها راجع للتغيرات التي عرفها المجتمع، وبعضها الآخر باستعمال التكنولوجيا التي ولّدت بعض المواقع التي تعمل على تحريض النساء على الطلاق، خاصة أن القانون منح المرأة العديد من المكاسب، والتي عززها الخلع؛ حيث أصبح يتم فك الرابطة الزوجية دون أي مبرر، ومع هذا يحكم لها القاضي بذلك. وأوضحت الأستاذة "سمية. ف" محامية معتمدة لدى المجلس، أنها تتلقى هي الأخرى العديد من الاستشارات المتعلقة بالنساء المطلقات الراغبات في إعادة الزواج والمتخوفات من فقد الحضانة، مردفة: " في ما يتعلق بقضايا الحضانة ورغم أن القانون واضح، إلا أن القاضي دائما واسع النظر؛ من خلال تعيين المختصة الاجتماعية، التي تقوم بإجراء بحث اجتماعي". وقالت: "أكثر من هذا، موضوع الحضانة يتم الاحتكام فيه دائما، لمصلحة المحضون؛ فإن كانت مصلحته مع أمه فإن القاضي يحكم بوجوده إلى جانب أمه حتى وإن تزوجت، وبالتالي لا مجال مطلقا للخوف، وإن القانون واضح، لا يثير أي مشاكل، بل على العكس من ذلك، الأحرى أن يتم إعادة النظر في موضوع الخلع وضبطه بعدما أصبح بعض النساء يلجأن إليه دون مبرر؛ لأنهن يعرفن أنه من غير ضوابط، وبالتالي يحكم به القضاء لمجرد أن المرأة لا ترغب في العيش مع زوجها ". رأي الشرع: القانون طرح حلاّ في مصلحة المحضون يرى الشيخ جلول الحجيمي الأمين العام للفيدرالية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية والأوقاف، أن الأسرة في الوقت الحالي، تعيش منعرجات منحرفة، دفعت بالمشرّع إلى اتخاذ بعض الترتيبات؛ لإعادة ضبط الأمور، ومنها قانون الأسرة الذي تم تعديله في شقه المتعلق بالحضانة. وأوضح محدث "المساء" قائلا: "أعيد فيه ترتيب الأولويات في مسألة الحضانة"، مشيرا إلى أن ما يعرفه المجتمع من ظواهر مختلفة تطلبت تحويل الحضانة بعد طلاق الأم واختيارها الزواج، إلى الأب الذي تتوفر فيه الشروط اللازمة للحفاظ على الأبناء، ورعايتهم"، مؤكدا أن القانون جاء لخدمة مصلحة الطفل المحضون بعدما ثبت أن إعادة الزواج من شأنها أن تسيء لمصلحة الطفل. والمحاكم تسجل في هذا الخصوص، قضايا أطفال تم الاعتداء عليهم من طرف أزواج أمهاتهم، مؤكدا أن القول بعدم إمكانية المرأة الزواج خوفا من فقد حضانة الأبناء، مردود عليه؛ لأن بعض النساء أصبحن يستعملن الحيل من أجل الإبقاء على الأبناء؛ حيث نجدها تخالف القانون والوضع العام من خلال إعادة الزواج عرفيا، والاستفادة من آثار الطلاق كالنفقة وغيرها. وأكثر من هذا يكشف المتحدث: "عند حدوث الطلاق يجد الآباء صعوبة في ممارسة حق الزيارة؛ الأمر الذي جعل المحاكم تسجل أيضا، العديد من قضايا حق الزيارة. كل هذه الإشكالات عززت من وجود هذا القانون، الذي جاء للتأكيد على المصلحة الفضلى للأطفال" . ومن جهته، أكد جمال غول إمام ورئيس المجلس الوطني المستقل للأئمة، أن الإشكال في القضايا المتعلقة بالعلاقات الزوجية، يحدث عند الابتعاد عن النص الشرعي. ويُفترض، حسبه، أن قانون الأسرة يستمد من الشريعة الإسلامية التي تراعي أرقى المقاصد للأسرة ككل، وبالتالي فإن استقرار العلاقات الأسرية والمجتمع ككل، يتطلب دائما العودة إلى ما جاء في الكتاب والسنّة، والاحتكام إليه.