قُدّمت مسرحية "أضغاث" من تأليف وحيد مطهري وإخراج شوقي بوزيد، أوّل أمس الخميس، على ركح "محيي الدين بشطارزي"، ضمن منافسة المهرجان الوطني للمسرح المحترف 17، إنتاج المسرح الجهوي لباتنة. وتتناول هذه المسرحية الانكسار النفسي والعاطفي الذي تُسبّبه الجراح الخفية في الحياة اليومية. في قلب المسرحية، نجد شخصية "حنان" التي تؤديها نريمان يربح. وهي شابة عانت من صدمة في طفولتها خلال المدرسة. وأصبح وزنها الزائد مصدراً للسخرية والرفض؛ ما أدى إلى انكسار داخلي عميق. هذه الصدمة لم تقتصر على الألم الجسدي، بل أثرت على تصوّرها لذاتها وللآخرين. وقادتها إلى انقسام رمزي، يُجسَّد على خشبة المسرح. وفي المشاهد الأولى، تظهر حنان نحيفة، بينما يُقدَّم والداها زهية (يُسرى دايخة) وجمال (محمد بوعافية)، على أنهما يعانيان من السمنة. ويجسّد هذا التباين البصري تشويه إدراكها، وكيفية إسقاطها مخاوفَها الشخصية على محيطها. وترى "حنان" الطبيبَ النفسي "حسين"، كمحتال ومدمّر، يهدد توازن أسرتها. ولكن مع تقدّم القصة يكتشف المشاهد أنّ كل ما يحدث على المسرح ليس سوى انعكاس للصراعات النفسية التي تعاني منها حنان، وكانت أشبه بأضغاث أحلام، أو كانت كذلك فعلا. وتبدأ الحبكة مع "زهية" ؛ الأم التي تعاني من هموم عميقة، وابنتها "حنان" التي تحتفل بعيد ميلادها التاسع عشر في جوّ عائلي مشحون بالتوتّر. ويتصاعد هذا التوتّر مع ظهور "حسين"، طبيب نفسي مزعوم ومحتال. وبدون أيّ مؤهّلات حقيقية يتدخّل في الشؤون العائلية كعامل محفّز للصراعات؛ ما يضخّم الهشاشة النفسية والعلاقات لكلّ فرد. وفي نهاية المسرحية، تعود حنان إلى ذاتها، وتواجه الحقيقة؛ إنّها تعاني من السمنة. وكل التفاعلات على خشبة المسرح؛ من صراعات وتمزّقات عائلية، كانت نتاج عقلها المضطرب. وتكشف المسرحية عن قوّة الصدمة، وتأثيرها على إدراك الواقع. كما تسلّط الضوء على النضال الداخلي لقبول الذات، وتجاوز جراح الماضي. وعلى مدار ساعة كاملة، قدّمت "أضغاث" تأمّلاً عالمياً حول الجراح الخفية التي يحملها كلّ فرد. وتدعو المسرحية إلى اختراق كيفية تشكيل الصدمات للإدراك، وتأثيرها على العلاقات مع الآخرين. وفي النهاية تؤكّد على أهمية الصمود وقبول الذات كخطوات حاسمة نحو الشفاء. أحد الجوانب المزعجة التي برزت في مسرحية "أضغاث" كان استخدام الفواصل الإذاعية التي تُبث بصوت غير واضح أحياناً، لتُخبر الجمهور بما سيحدث لاحقاً على الخشبة. هذا الأسلوب الذي ربما سعى إلى تقديم تجربة سردية مختلفة أو إضفاء طابع استباقي على الأحداث، جاء بنتيجة عكسية تماما؛ فقد أضعف عنصر التشويق الذي يُعدّ من الركائز الأساسية في الأعمال المسرحية، وحرم الجمهور من متعة استكشاف تطوّر الأحداث بأنفسهم. وربّما كان من الأفضل لو تم استبدال هذه الفواصل بعناصر درامية داخلية؛ مثل الحوارات أو التلميحات البصرية التي توحي بما سيحدث دون الكشف عنه بشكل مباشر. فالاحتفاظ بعنصر الغموض والتشويق هو ما يجعل المسرح ينبض بالحياة، ويُبقي الجمهور على حافة مقاعدهم في انتظار ما سيأتي. وبهذا كان يمكن المسرحيةَ أن تحافظ على تماسكها الدرامي، وأن تُقدّم تجربة أكثر جذباً وانسجاماً. وتميّزت مسرحية "أضغاث" باختيار سينوغرافي جريء ومبتكر؛ حيث اعتمدت على تجريد الإضاءة التقليدية، مستغنية عن العناصر الضوئية المعتادة التي تملأ الخشبة عادة. وبدلاً من ذلك، اكتفت بخطين ضوئيين أخضرين يتقاطعان على خشبة المسرح؛ ما خلق أجواء مسرحية غامضة، ومشحونة بالدلالات الرمزية. وقد جاءت الخشبة مملوءة بالصناديق الكرتونية، التي بدت كأنّها تحمل في طياتها حكايات مخفية ومآسي دفينة، ترمز إلى أعباء الحياة التي تثقل كاهل الشخصيات. هذا الاختيار البصري لم يكن مجرّد ديكور عابر، بل كان أداة فنية تساهم في توجيه انتباه الجمهور إلى جوهر المأساة الإنسانية المطروحة. فالضوء الأخضر بتباينه مع العتمة المحيطة، يرمز إلى بصيص أمل أو خط نجاة يتلاشى وسط الفوضى. أما الصناديق الكرتونية فهي تحمل دلالات متعددة؛ من جهة تعكس هشاشة الوجود الإنساني الذي يمكن أن ينهار بسهولة. ومن جهة أخرى، ترمز إلى القيود والحدود التي تحاصر الشخصيات، وتمنعها من التحرر الكامل.