دخلت "سيما" (أسماء مروشي) عالم الطفولة، حاملة معها أدواتها الفنية وإحساسها الإنساني المتدفق، تتحدث بعفوية وبلغة البراءة، وتملأ فضاء الركح بالحركة والنشاط، لتجر معها الصغار في عوالم السحر والخيال، بألوان زاهية وعروض بهية. وتتبنى هذه الفنانة الشابة رسالة سامية، تهدف بها إلى تقديم الأجود للجمهور الصغير، الذي يعي ما يقدم له، وسرعان ما يكتشف الرديء ويرفضه ولا ينتبه له. لا تلتزم هذه الفنانة بإطار بعينه، فهي منطلقة تماما كالطفل الصغير، لا حدود لحركتها، تقفز هنا وهناك كالفراشة الجميلة لتنثر إبداعها عبر فضاء الركح، وتتخطى الحدود التي تعيق هذا الانطلاق نحو عالم البراءة. أصبح للفنانة المهرجة "سيما" جمهورها الواسع والوفي، الذي يلحقها في كل موعد تضربه معه، حيث حققت بجدارة الاختلاف، فهي تمقت التكرار والاستنساخ، لذلك لا تبدو كأي مهرج أو بهلوان آخر، يكتفي بالقليل ولا يملك كامل المؤهلات الفنية، إنها تصنع البهجة وتوزع الأنوار والألوان بفستانها المزركش، ناهيك عن كلامها المرتب والعفوي أحيانا، الذي يسلب الصغار ويشد انتباههم، ليتفاعلوا ويصفقوا ويغنوا ويرددوا ويتبعوا "سيما" في كل ما تؤديه في العرض. أسماء مروشي، فنانة من شعبة العامر بولاية بومرداس، كان ولعها الدائم فن التهريج، بعد أن أحبت الأطفال، واكتشفت هذه الموهبة في داخلها، والتي من خلالها تسلي الأطفال وترسخ فيهم بعض القيم الجميلة. اهتمام "سيما" بالتهريج، تولد من طموحها في الالتحاق بالمسرح، زد على ذلك شغفها بالكتابة سواء في الشعر أو القصص، علما أن ذلك كان منذ طفولتها، لتلتفت بعدها إلى التنشيط الذي تمرست فيه، من خلال عملها في المخيمات الصيفية. تحصلت الفنانة على شهادة البكالوريا عام 2012، لتدرس اللغة الأمازيغية في جامعة مولود "معمري بتيزي وزو"، حينها بدأت تتفتق موهبتها الكامنة لتخرج إلى العلن، فجاءت الممارسة وصعدت بذلك الخشبة، ليبدأ مشوار آخر جميل مع جمهورها الصغير، وطبعا فإن للموهبة ولخبرة التنشيط فضل في ذلك. للإشارة، أسماء تزاول مهنة تدريس اللغة الأمازيغية في متوسطة "سي رشيد" بولاية بومرداس، بالتالي فهي دوما في احتكاك مع التلاميذ، تعرف انشغالاتهم وآمالهم ومواهبهم، وهي تستغل ذلك في عملية التحصيل وتلقينهم ما يجب أن يتعلموه في سلاسة تامة، وبالموازاة، تستمر في أداء مهمتها الفنية كمهرج بإلحاح من العائلات التي تطلبها بالاسم، حتى في الحفلات الخاصة، منها أعياد الميلاد مثلا، ناهيك عن حضورها في الفضاءات الترفيهية وعبر المدارس. تأسف هذه الفنانة لتعرض هذا المجال للبزنسة والربح السريع على حساب رسالته النبيلة وذلك من جراء دخول الدخلاء الذين لا علاقة لهم بالفن ولا بالطفل، بل تستنكر ما يقوم به هؤلاء المهرجون الذين يقدمون عروضا تطغى عليها الأغاني والكلمات الساقطة والموسيقى الصاخبة، التي تلوث ذوق الطفل وتشوش على عقله ووجدانه، بالتالي فهي تتمنى أن تكون هناك معاهد أو أقسام متخصصة لتأطير هذا الفن المرتبط بالطفل. "سيما" اليوم متميزة عن غيرها، حتى في طريقة لباسها حين العرض، وكذلك في محتوى ما تقدمه، الأمر الذي جعلها قدوة للكثير من زملائها الذين يحاولون تقليدها.