❊ غطرسة الرئيس ماكرون ضد شعوب إفريقيا ورؤساء دولها ❊ باريس تبرّر فشلها وخسارة نفوذها بالتهجّم على مستعمراتها السابقة ❊ تنامي موجة غضب الشعوب الإفريقية تجاه باريس بسبب سياساتها ❊ تيار سياسي واسع في فرنسا يكنّ العداء للأفارقة ويريد نهب ثرواتهم مازال الخطاب المستفز للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يثير الجدل بين أوساط الدول الإفريقية والأفارقة الذين لفظوا الوجود العسكري الفرنسي، في الوقت الذي تحاول فيه باريس تبرير فشلها وخسارة نفوذها في القارة السمراء بالتهجّم على مستعمراتها السابقة وفق منطق الوصاية والتطاول على السيادة بنظرة استعلائية، الأمر الذي أثار استياء الأفارقة على غرار الرئيس السينغالي باسيرو ديوماري فاي الذي قرّر أول أمس، استبدال الأسماء الفرنسية التي أطلقت على الشوارع العمومية ببلاده إلى أسماء لشخصيات سينغالية. فهذه عينة فقط عن درجة الاستياء الذي يبديه الأفارقة إزاء سياسة حكومة ماكرون التي هوت أحجارها الواحدة تلو الأخرى بسبب "العجرفة الفرنسية" تجاه القارة السمراء، ما دفع بعديد المتتبعين للبحث عن خلفيات ومواقف الدول الإفريقية التي ضاقت ذرعا من هذه الغطرسة التي لا تتماشى والمتغيرات الراهنة . وفي هذا الإطار، كشفت دراسة علمية أصدرها مؤخرا المركز العالمي لأبحاث العلوم السياسية "تي آل بي" التي هي اختصار لعبارة "لنقلب الصفحة"، تحت عنوان" لماذا يرفض الأفارقة فرنسا؟، كشفت عن تنامي موجة غضب الشعوب الإفريقية تجاه باريس في منطقة الساحل والدول الواقعة غرب القارة. واستهدفت الدراسة التي أجريت بين جوان 2023 وأفريل 2024 وصدرت نتائجها مطلع السنة الجارية، قرابة 500 شخصية في مختلف التخصّصات بخمس دول هي الكاميرون، والبنين، وساحل العاج، وتشاد والغابون. الدراسة التي ساهمت في إنجازها أكثر من 250 منظمة من المجتمع المدني الإفريقي والأوروبي، سلّطت الضوء على أسباب الشعور المعادي لشعوب هذه الدول تجاه باريس، وما إذا كان ذلك نتيجة حملة تحريضية من الخارج بهدف التأثير على الأفارقة، أم أن ذلك بسبب مساعي مراكز قوى وطنية داخلية من أجل خدمة أغراضها أو لدوافع أخرى. وأجمع من شملتهم الدراسة على أن الأمر لا يتعلق باستخدام مصطلح الشعور المعادي لفرنسا، رغم محاولة أوساط إعلامية فرنسية الترويج لذلك من أجل التقليل من وطأة الرفض الإفريقي تجاه السياسة الفرنسية الممتدة منذ فترة الاستعمار الفرنسي وإلى غاية اليوم، مؤكّدين أن ذلك يستند إلى حجج دامغة ومنطق قوي ولا يخضع إلى حملات تشويه إعلامية لغسل الأدمغة، في حين أوضحوا أن الذاكرة الجماعية الإفريقية تستحضر باستمرار تصريحات عديد الساسة الفرنسيين بمختلف توجّهاتهم ينتقدون فيها الأفارقة ويسخرون من طريقة لباسهم وسلوكهم وطعامهم. كما أوضحوا أن هناك تيار سياسي واسع من الأحزاب والتكتلات السياسية والشعبية والأكاديمية في فرنسا لا تخفي عداءها للأفارقة وتطالب بطردهم من فرنسا. وعلى عكس ذلك أشارت الدراسة إلى أن الأفارقة لا يعادون المواطن الفرنسي، والدليل على ذلك وجود عدد كبير من المواطنين الفرنسيين المقيمين في مختلف دول غرب إفريقيا يعيشون دون الشعور بأي تهديد أو تمييز ضدهم، مما يعني أنهم أكثر تسامحا من الفرنسيين ودليل ذلك عدم وجود أي حزب سياسي إفريقي يعادي الأجانب عامة أو الفرنسيين خاصة. وإبرازا للعنصرية التي تعتري مواقف بعض الأحزاب في فرنسا تجاه الأفارقة، أوضحت الدراسة أن الحملات النشطة ضد المهاجرين إلى أوروبا عامة، قد عزّزت روح الرفض للغرب وسط الشباب الإفريقي الذي عانى الأمرين من الهجرة غير الشرعية. من جهة أخرى، تناولت الدراسة الدور الروسي في إفريقيا، مقابل تراجع الوجود الفرنسي الرسمي عسكريا واقتصاديا في دول مثل بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، والسنغال، حيث نفى من شملتهم الدراسة أن تكون روسيا سببا في تحريك تيار الرفض الإفريقي لباريس، التي أصبح لديها هوس شديد من تعاظم الدور الروسي في المنطقة، مبرزين أن رفض الشعوب الإفريقية للتواجد الفرنسي في بلدانهم راجع إلى عدم احترام فرنسا لخيارات الأفارقة وتأويلها. وفي هذا الصدد وقف الاستطلاع عند عدد من المؤشرات، أبرزها السلوك المتغطرس والمتعالي للرئيس ماكرون، ليس على المواطن الإفريقي البسيط فحسب، بل حتى على رؤساء الدول الإفريقية، كما أشار إلى أن باريس لم تعد حليفا عسكريا يوثق به، حيث عجزت عن توفير كل متطلبات شركائها العسكرية، مما أفرز حالة الاضطراب الأمني وعدم الاستقرار في المنطقة. ويرى الأفارقة أن فرنسا تتبنى ديمقراطية على المقاس بمعنى تلك التي تخدم مصالحها في القارة، وأعطوا في هذا الصدد مثالا عن ما يجري في جمهورية تشاد. وفي سياق إبراز التكالب الأجنبي على القارة، أشارت الدراسة إلى وجود تسابق للحصول على الموارد الطبيعية لإفريقيا رغم أن ذلك لا يعني بأن الأفارقة ليست لديهم المقدرة على تحديد مصالحهم دون تدخل الآخر. كما تناولت الدراسة الجانب الاقتصادي، واستطلعت مواقف الرأي العام الإفريقي من التعامل بالفرنك الإفريقي، علما أن فرنسا فرضت على كل مستعمراتها السابقة التعامل بالفرنك الإفريقي الذي يحظى بتغطية البنك المركزي الفرنسي منذ 1945، أي قبل استقلال هذه الدول وهو ما اعتبرته هذه الأخيرة بغير العادل كونه سبب ضعف وهشاشة اقتصادات الدول الفرنكوفونية لعقود من الزمن.