تحيي الجزائر هذه السنة الذكرى المئوية لميلاد فرانس فانون (1925-2025)، أيقونة النضال من أجل الحرية والعدالة، وبالمناسبة ستحيي الكثير من دول العالم على غرار الجزائر هذه الذكرى التي هي وقفة للإنسانية جمعاء للاستلهام من أفكار هذا المفكر الرمز الذي سبق غيره في تشريح الظاهرة الاستعمارية والتمييز العنصري، ونقده العميق للاستلاب في مختلف أشكاله النفسية والثقافية والسياسية، ناهيك عن ريادته في دراسات ما بعد الكولونيالية. دعا بعض المثقفين والمختصين في الطب العقلي وكذا الكتاب والفنانين إلى إحياء مئوية المناضل الراحل فرانس فانون، علما أن العديد من دول العالم ستحيي هذه الذكرى منها الولاياتالمتحدة وفرنسا وايطاليا وتونس وغيرها. من بين الذين سيساهمون في إحياء هذه الذكرى المخرج عبد النور زحزاح الذي أنجز فيلما عن الراحل بعنوان "فرانس فانون" افتك جائزة بمهرجان الأقصر بمصر، وقد صرح مؤخرا أن الإقبال على عرض الفيلم في هذا المهرجان كان معتبرا خاصة من الطلبة الذين اكتشفوا جوانب أخرى من شخصية هذا المناضل ومن ثورة التحرير الجزائرية. تمنى المخرج الذي يعرض فيلمه في كل من العاصمة ووهران وقسنطينة، أن يخرج لولايات أخرى حتى يراه كل الجزائريين، علما أنه عرض أيضا في بعض دول العالم منها ألمانيا مثلا، كما كتب على صفحته الإلكترونية منذ أيام شاكرا فيها وزير الثقافة والفنون بللو على تهنئته بتتويج فيلمه "فرانس فانون" طالبا منه أن يتكفل برعاية مئوية ميلاد هذه الشخصية الفكرية والثورية من خلال فعاليات متعددة في البليدة ومناطق أخرى من الجزائر. من جهة أخرى، تستعد ولاية البليدة التي عاش وعمل فيها الراحل فانون لتكون في الموعد، علما أنّ الكثير من البليديين لم يشاهدوا بعد الفيلم لانعدام قاعات السينما وبعضهم تنقل للعاصمة لمشاهدته، فيما تقوم مجموعة من المهتمين منهم زحزاح بتهيئة متحف فرانس فانون (المنزل الوظيفي الذي كان يسكنه رفقة عائلته خلال فترة عمله بالمستشفى الواقع بوسط مدينة البليدة والذي يحمل اسمه حاليا) لاحتضان الفعاليات التي ستقام بهذه المناسبة بالبليدة. للإشارة، تسعى جمعية "متحف فرانس فانون" التي من بين أعضائها الدكتور المختص في الطب النفسي، يبرير ميلود لأن يكون هذا الفضاء مكانا للذاكرة. يضمّ المتحف عددا من مقتنيات هذا الطبيب الذي حمل لواء الدفاع عن الجزائريين وكذا العديد من مؤلفاته ومقالاته التي حاول من خلالها هذا المفكر الدفاع عن حق الشعوب في العيش في كنف الحرية ونشر الأفكار التي تنبذ العنصرية بكافة أشكالها إلى جانب وثائق تؤرّخ لسيرته الذاتية، لاسيما فيما تعلّق بالجزء الخاص بحياته الذي كرسه للدفاع عن القضية الجزائرية وحقّ شعبها في استرداد حريته. ضمن هذه المئوية تنظّم "مجموعة بحث دراسات الحدود" بكلية الطب الأزهر بسوسة بتونس يومي 21 و 22فيفري الداخل، ملتقى دولي عن فرانس فانون بعنوان "الاغتراب، العنف والهجرة في مجتمعات ما بعد الاستعمار في شمال إفريقيا". للإشارة، ظلّ فانون مدافعا عن القضية الجزائرية من خلال مقالاته التي كان ينشرها في جريدة "المجاهد" بتونس ممثلة لجبهة التحرير الوطني، لكنه لم يعش نشوة وفرحة الاستقلال إذ وافته المنية قبل ذلك ولم يكن يتعدى ال36 سنة من العمر. ودفن جثمان الطبيب بمقبرة الشهداء بعين الكرمة بولاية الطارف شرق الجزائر، ولا يزال ميراثه يطوف العالم. أدرك فانون مبكرا بشاعة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، مقتنعا بقيم الثورة الجزائرية المبنية على العدالة والمساواة والحق في العيش في كنف الحرية والاستقلال، ليناضل من أجل حرية الجزائر وحرية جميع الشعوب المضطهدة. كما كان لكتابات فانون عن الاستعمار والعنصرية ومعاداة الإمبريالية تأثير هائل في جميع أنحاء العالم ومن أشهر ما كتب "بشرة سوداء، أقنعة بيضاء" (1952)، و«استعمار يحتضر" (1959)، و«نحو الثورة الأفريقية" (1964)، و "معذبون في الأرض" هذا الأخير الذي يعد أحد أهم كتبه، إذ لا مثيل له في سجلات أدب مناهضة الاستعمار. يرى النقاد والمفكرون أنه لا يوجد نص سياسي آخر يعبر بحنكة وفاعلية عن ظروف القضاء على الاستعمار زيادة على استهدافه اللاذع للاستعمار والدعوة إلى مجتمع متساو جديد .