على مدى 400 صفحة، يسعى المفكّر المتخصّص بعلوم الأديان مالك شبل لوضع حجر جديد في إطار ورشة التعارف والانفتاح التي يعتبر انّه لا بدّ من ان تنشأ بين الديانات المختلفة، فاختار لمؤلّفه الجديد عنوان "Le coran pour les nuls" أي "القرآن للذين لا يعرفونه". وفيما تشهد فرنسا جدلاً واسعاً حول ظاهرة "النقاب"، يعتبر شبل أنّ الكتاب الذي صدر عن دار "فيرست" الفرنسية للنشر، يشكّل مسعى لكسر الخوف الذي يثيره الإسلام، نتيجة الجهل أونتيجة نية في التلاعب والتضليل. ويتناول الكتاب، الذي أدرج على لائحة الكتب الخمسين الأكثر مبيعاً في فرنسا، في أجزائه الستة محاور عدة، تعرّف بموقع القرآن التاريخي بين الكتب السماوية وبالأسلوب اللغوي الخاص به، ويتضمّن شرحاً للأساليب التقليدية المتّبعة لتفسير النصوص القرآنية، كما يبرز النظرة القرآنية للعالم، المرئي وغير المرئي، ويوضّح دورها في توجيه حياة المؤمنين. ويفرد شبل جزءاً من الكتاب لتوضيح حداثة القرآن وإسهامه في العالم المعاصر على المستوى العلمي والفكري، مفصّلاً التعاليم القرآنية المتعلّقة بالمجتمع والحرب والسلم والمرأة والحداثة، كما يفرد جزءاً آخر لتفنيد الأفكار الخاطئة السائدة عن القرآن وإظهار عدم تطابقها مع النصوص، ومنها مثلاً ما هو على صلة بموقع المرأة ومكانة العقل. ويعتقد شبل أنّ الإسلام لو بقي مقتصراً على العرب والمسلمين، سيبقى مصدر تخوّف "لذا علينا أن ننفتح وأن نقول لغير المسلم تفضّل وتعرّف على ديننا فليس فيه ما هو مخيف"، ومن الملح برأيه حثّ الآخر "على الاطلاع على ثقافتنا وديننا وحثّ أنفسنا على التوجّه إلى غير المسلمين باعتبار أنّهم ليسوا أعداء لنا بل يمكن ان يكونوا حلفاء". ومن هنا أهمية "التبسيط والشرح وإزالة ما يمكن أن يشكّل ألغاماً تحول دون فهم الآخر وتقبّله ديننا وثقافتنا"، لذلك يقول شبل انّ هذا الكتاب "كلّ ما فعلته منذ عشر سنوات يتوجه إلى الجميع"، للقارئ العربي والمسلم والغربي والرجل والمرأة والشباب والطلاب. وينطوي الكتاب على بعد تربوي مزدوج، فيشير شبل إلى انّه يعرّف الشباب المسلمين الذين ولدوا في الغرب في حياد وموضوعية أسس ديانتهم، متمنياً أن يقطع الحبل أمام المتطرفين، وأن يطلق ديناميكية إسلام منفتح، مثلما يجذب القارئ الغربي مع تصاعد الفضول والرغبة بالاطلاع على الأديان. ويقرّ شبل بأنّ هذا لا يعفي فرنسا من مسؤولياتها بل يجعلها مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتبني الإسلام رسمياً باعتباره جزءاً من مكوناتها والإقدام على قول ذلك بوضوح وعدم الاكتفاء بالتلميح إليه في المناسبات المختلفة. ولد شبل ونشأ في الجزائر، حيث حفظ القرآن ولدى انتقاله إلى فرنسا درس "انتروبولوجيا علوم الأديان" وحصر منذ الثمانينات اهتمامه اليومي بالفقه والاجتهاد والحديث، كما عمل على مدى عشر سنوات على وضع ترجمة فرنسية للقرآن صدرت عن دار "فايار" للنشر، ويلفت إلى أنّه والكثيرين مثله "نريد أن يكون الإسلام على شكلنا وإن لم نفعل فإن آخرين سيفعلون مكاننا" مغيبين الوجه المشرق لهذا الدين.