يقيم الفنان عمر كارنو (عمر سعد) معرضه "أشعة الحياة" برواق "محمد راسم"، ليستقبل جمهوره الوفي بمجموعة من لوحاته الجديدة المبهرة كالعادة. وشهد افتتاح هذا المعرض فقرات فنية متنوّعة استمتع بها الحضور . استقبل الفنان كارنو "المساء" أثناء الافتتاح الذي شهد توافد الجمهور، وكذا جمع من المثقفين والفنانين والأصدقاء والعائلة، بحثوا كلّهم عن الجديد الذي تزيّنت به جدران المعرض، علما أنّ الفنان كارنو غالبا ما ترتبط معارضه بالحياة وبهجتها، وبالجمال والأمل الذي تعكسه الألوان الزاهية والطبيعة الغنّاء، وباقات الورد، ناهيك عن التراث الأصيل حيثما كان من أرض الجزائر القارة. وقال الفنان إنّ معرضه "أشعة الحياة" ممتد إلى غاية 19 أفريل الجاري. ويضمّ 56 لوحة من مختلف الأحجام، وبمواضيع مختلفة، منها الصحراء والقصبة والطبيعة. وسألت "المساء" الفنان عن هذا الاهتمام بالطبيعة فرد قائلا: "الجمهور متعطّش للطبيعة العذراء، ولكلّ ما فيها من جمال وهدوء وإيقاع رباني وأنوار وزرقة واخضرار، وبالتالي أنا أوفّر له جرعة من الاوكسيجين النقيّ، فغرضي أن أُخرج هذا الجمهور من المساحات الضيّقة والروتين ومن حياة الصخب والإسمنت، إلى فسحة الطبيعة ". أما عن القصبة فقال إنّها مسقط رأسه. ورغم أنّ عائلته غادرتها إلى أعالي بوزريعة لكنّه ظلّ مرتبطا بها، يزور أقرباءه منهم خالته، ليتنفّس الماضي الجميل، وكثيرا ما يلتقط صورا فوتوغرافية خاصة بالعمارة، ثم يحوّلها إلى لوحات غالبا ما تستهوي الجمهور. وأبدع الفنان في رسم بعض الأبواب العتيقة، وهي من أكثر اللوحات التي جلبت الجمهور محتفظا فيها بالألوان التقليدية؛ منها مثلا الأخضر، ناهيك عن الدروب والممرات التي تمرّ عبرها النسوة بالحايك والعجار، وكذا الصبية الذين يمرحون ويلعبون. وغير بعيد عن القصبة، تطلّ الصحراء التي قال الفنان عنها مصدر إلهامه الأوّل، وأنّه لا يغيب عنها، مؤكّدا أنّه بعد انتهاء معرضه سيشدّ الرحّال إليها كعادته دوما. ومن بين اللوحات "الصحراوية" هناك القوافل التي تقطع الكثبان، وكذا مشاهد الغروب التي تبدو وكأنّها صور فوتوغرافية حيّة من فرط إتقانها، ملتزما فيها بألوان الرمل، وأشعة الشمس والغروب. بهجة الربيع في كلّ اتّجاه يكاد الزائر يقتنع أنه في وسط الطبيعة وفي موسمها الربيعي الخلاب. إنّها باقات ورد تسبي الناظرين، وتجعلهم يتنسّمون العطر الرباني، ناهيك عن الألوان؛ من أصفر ووردي وأخضر، تتشكّل وفق نوع الورد والزهر، لينتقل الزائر في لوحات أخرى، إلى المروج والغابات والأودية والتلال؛ حيث الاخضرار في الأرض، والزرقة في السماء، علما أنّ الفنان قال إنّ اللونين من بين أحبّ الألوان إليه، ليهدي زوّاره السوسن، والريحان، والياسمين، والقرنفل والأقحوان. أما البحر فتلك حكاية أخرى؛ فالفنان كارنو متصالح مع البحر دوما، وحتى أمواجه العاتية تبدو صافية وكأنّها مرحبة، أو تداعب من يراها. ويبقى هذا الفنان المتمكّن ملتزما بقناعاته وأفكاره تجاه التراث والطبيعة والحياة؛ يزرع التفاؤل في كلّ معرض، كما يبقى دوما في كامل حيويته متمسّكا بالابتسامة، وبروحه الخفيفة، وترحيبه بالجمهور، ينثر الزهر والعطر، ويقدّم سلال الغلال الطازجة. وحتى الفن التجريدي كان حاضرا. والفنان متمكن فيه بشهادة الأجانب، يعتمد على الأبعاد الهندسية، وعلى الألوان المتباينة والمنسجمة. فنون أخرى مرافقة شهد الافتتاح حضور الشاعرة سادرينا عيساني التي قرأت مقاطع من ديوانها "ريشة ذات ومضة" (بالفرنسية). تناولت فيها أهمية الأشياء البسيطة في يومياتنا التي لا ننتبه لها. ورغم ذلك فهي مهمة في حياتنا جميعا. وفي قصيدة أخرى من الديوان تحدّثت عن مزاج الناس، وتقلّباتهم، وهو أمر طبيعي؛ فكلّنا نمرّ بلحظات غضب، وسعادة وفرح. بعدها جاء دور الفنانة مينة بن ميهوب، وهي حكواتية تتقن العرض بامتياز، فشدّت الحضور، وحبست أنفاسهم؛ وكأنّها كانت في عرض مسرحي ليصفق لها الجمهور طويلا بعد عرضها "شابحة"، وهي ابنة السلطان المغرورة التي تحب الظهور لتصاب بمرض، ويذهب خطيبها في رحلة بحث عن الدواء "فستان بعقد". وعندما يعود تشفى، وتتعلّم الدرس. وعقب العرض تحدّثت "المساء" مع الفنانة التي أكّدت أنّها هي من كتبت نصّ العرض، مشيرة إلى أنّها تكوّنت عند الأستاذ بغدادي ككثير من الحكواتيين الجزائريين المعروفين في الساحة، منهم السيدة نعيمة محايلية. وقالت بالمناسبة إنّ هذا الفن العريق لايزال مهمّشا عندنا، فيكفي أنّه في رمضان تبرمج كلّ الفنون ماعدا هذا الفن، الذي ارتبط بجلساتنا الرمضانية والعائلية، والذي لايزال مطلوبا في كلّ مكان في بلادنا. هذه الأخيرة التي هي بحجم قارة وليس فيها سوى 23 حكواتيا اليوم، مثمّنة مهرجان الحكواتي ببلعباس في انتظار مهرجان العاصمة، الذي لا بدّ أن يرى النور. والفنانة تنشط حاليا في المدارس. وتسعى لتكوين حكواتيين. وتحلم بأن يكون في الجزائر "دار الحكواتي".