أبرز وزير المالية كريم جودي أمس، أهم المحاور التي يتضمنها النظام المحاسبي المالي الجديد خلال عرضه لنص القانون أمام أعضاء مجلس الأمة في جلسة علنية ترأسها رئيس المجلس عبد القادر بن صالح· وأكد ممثل الحكومة في العرض الذي قدمه أن الهدف الرئيسي من إعداد هذا القانون هو عصرنة النظام المحاسبي المالي ومواكبة التحولات التي عرفها هذا المجال على المستوى العالمي، تداركا للنقائص المسجلة في المخطط الوطني المحاسبي والذي يعود تاريخ إصداره إلى سنة 1975 · وقال كريم جودي، أن الإجراءات الجديدة ستسمح بتوفير عامل الشفافية في الحسابات وهو ما من شأنه أن يعطي ضمانات وثقة أكبر للمستثمرين خاصة الأجانب منهم لاسيما في إطار عمليات الشراكة، حيث سيمكن من تزويدهم بالمعلومة المالية الشفافة لاستغلالها بشكل مباشر· ومن أهم مميزات القانون الجديد شدد الوزير على أنه يوفرمرجعية للمحاسبة تمكنها من العمل على أساسها ويزودها بمبادئ تتلاءم ومقتضيات الاقتصاد العالمي الحديث، كما يمكن من إعداد معلومات دقيقة تعكس صورة صادقة عن الوضعية المالية للمؤسسات· ومن خلال وضعه لمبادئ وقواعد واضحة، فإن القانون الجديد يسمح كما أشار الوزير بالتقليل من إخطار التلاعب الإرادي وغير الإرادي بالقواعد وتسهيل مراجعة الحسابات، ويتيح بذلك التكفل باحتياجات المستثمرين الحالية والمستقبلية عن طريق تمكينهم من الحصول على معلومات مالية منسجمة ومقروءة تخص المؤسسات يمكن من خلالها إجراء المقارنات واتخاذ القرارات· كما أن القانون الجديد يسمح بتطبيق كيانات صغيرة لنظام معلومات مبني على محاسبة مبسطة ويساهم في تعزيز مهنتي محافظ الحسابات والخبير المحاسب واستعادة مصداقيتها· وبعد عرض الوزير، قرأ مقرر لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية لمجلس الأمة التقرير التمهيدي الذي تم إعداده عقب الاستماع إلى وزير المالية من طرف اللجنة· هذه الأخيرة وإن سجلت في نص القانون الجديد وجود آليات تمكن من تجاوز النقائص التي كانت في التشريع المعمول به لاسيما من خلال إضفائه للشفافية على العمل المحاسبي وتكييف المحاسبة مع التحولات التي عرفها القطاع المالي، فإنها قدمت جملة من الملاحظات والانشغالات أوردتها في التقرير منها تساؤلها حول الجهة المؤهلة لتقييم ملاءمة اللجوء إلى تغيير التقديرات المحاسبية والأهداف المرجوة من وراء هذا الإجراء مثلما تنص عليه المادة 37 وكذا حول جزاء الإخلال بأحكام هذا النص· كما أشارت إلى انشغالها بخصوص ما يلاحظ على منظومة المحاسبية الوطنية الحالية من تعطيل وتلاعب بها لاسيما لدى القطاع الخاص وغيابها تماما لدى المؤسسات الصغيرة، وهو ما جعل اللجنة تتساءل حول الإجراءات التي ستتخذها الحكومة لفرض مَسك محاسبة حقيقية يوما بيوم· من جانب آخر اعتبر أعضاء اللجنة أن الآجال التي وضعها القانون لتطبيق الإجراءات الواردة فيه وهي مدة سنة غير كافية للتحضير الجيد لإنجاح هذا التطبيق· وطالبوا بفرض جدول إحصائي للديون خارج المحاسبة ودعوا إلى عدم إغفال عملية حفظ العمليات العالقة أي المستحقات التي لم تسدد· وعرفت جلسة النقاش تدخل ثلاثة أعضاء من مجلس الأمة تطرقوا في كلماتهم إلى انشغالات مشابهة لتلك الواردة في التقرير، حيث تمت الإشارة إلى أهمية إيجاد الآليات المناسبة لإنجاح تطبيق التدابير التي يتضمنها القانون الجديد وهو ما يتطلب توفير تكوين ذي مستوى عالي يمس كل المعنيين بالنظام الجديد· وألح المتدخلون على العلاقة بين استكمال الإصلاحات في القطاع المالي بكل فروعه ونجاح تطبيق النظام الجديد، واعتبروا أنه من الأفضل تطبيق هذا النظام على مراحل حتى يتم تجسيده جيدا· وتساءلوا من جانب آخر عن جدوى التمييز بين المؤسسات في تطبيق النظام الجديد حسب ما تنص عليه المادة 2 من نص القانون، والتي جاء فيها: "تطبق أحكام القانون على كل شخص طبيعي أو معنوي ملزم بموجب نص قانوني أو تنظيمي مَسك محاسبة مالية مع مراعاة الأحكام الخاصة بها، ويستثنى من مجال تطبيق هذا القانون الأشخاص المعنويون الخاضعون لقواعد المحاسبة العمومية" · وفي رده على انشغالات أعضاء الغرفة العليا أكد وزير المالية، أن القانون جاء مرنا بهدف إبقاء المجال مفتوحا للتكفل بالتطور الذي سيعرفه النظام المحاسبي· أما بالنسبة لمدة سنة التي حددت كأجل لتطبيق نص هذا القانون أوضح أنها مدة معقولة وتم العمل بها في الكثير من الدول بل أن بعض الدول اعتمدت مدة أقل من هذه بكثير· وما يساهم في تأكيد هذا الطرح كما جاء على لسان جودي، أن عملية التعريف بالنص وتحسيس المتعاملين الاقتصاديين قد تم الشروع فيه منذ 2001، وهي السنة التي شرع فيها بتنظيم ملتقيات ودورات تكوينية أشرف عليها خبراء في مجال المحاسبة وذلك من أجل التطبيق السليم لهذا النص· وبخصوص الرقابة، إعتبر أن الإجراءات التبسيطية التي جاءت في النص والشفافية في المعاملات التجارية والمالية من شأنه تسهيل الرقابة التي تقوم بها الجهات المختصة في المجال المحاسبي المالي· يُذكر أن نواب المجلس الشعبي الوطني كانوا قد صادقوا على مشروع هذا النص بالأغلبية الساحقة بعد مناقشته في سبتمبر الفارط· ولم يتم تقديم أي اقتراح لتعديل مواد هذا النص من قبل النواب باستثناء تعديلات شكلية اقترحتها لجنة المالية والميزانية· *