ثورة 1871؛ الثورة العارمة التي كادت تقتلع الاحتلال الفرنسي وترميه عرض البحر كما قال الشيخ الحداد رحمه الله، مازالت تشكل حدثا تاريخيا وتثير الكثير من التساؤلات وتكشف أيضا عن الكثير من الحقائق وتغري الكثير من الباحثين والدارسين، ومن جملة من جذبهم هذا الموضوع الأستاذ علي بطاش، الذي خصص له كتابا تحت عنوان "لمحة عن تاريخ منطقة القبائل·· حياة الشيخ الحداد وثورة 1871"· احتضن نهاية الأسبوع الفارط "فضاء فنون وثقافة" بشير منتوري، لقاء مع الكاتب علي بطاش قدم خلاله هذا الأخير كتابه الصادر حديثا في إطار "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، والذي يحمل عنوان "لمحة عن تاريخ منطقة القبائل·· حياة الشيخ الحداد وثورة 1871"· أعطى الباحث علي بطاش لمحة عن منطقة القبائل وبالأخص عن الحاضرة الثقافية، والتي كانت المدرسة الأولى لأوروبا في علوم الرياضيات الناصرية عاصمة الحماديين، والتي شهدت فطاحل العلماء والفقهاء أمثال سيدي بومدين الإشبيلي دفين العباد بتلمسان والذي قضى فيها جزءا كبيرا من حياته مدرسا، ومدحها بأنها مدينة الخير والخصب، ولولا دعوة السلطان المغربي له بسبب وشاية ما غادرها، وكذا بجاية التي تعد عاصمة لمنطقة القبائل الثقاية والحضارية دون منازع، حيث امتد إشعاعها الى كل نواحي المنطقة حتى أصبح التنافس بين القرى والمداشر والمدن الصغيرة فيما بينها في إنشاء المدارس وجلب، بل وانتاج العلماء ليس فقط للجزائر، بل للعالم الإسلامي والعربي· ومن هؤلاء العلماء الأجلاء الذين أنجبتهم المنطقة، سيدي محمد بن عبد الرحمان، دفين سيدي محمد بالعاصمة، وصاحب الطريقة الرحمانية، وهو بن عبد الرحمان الأزهري المعروف بالورع والتقوى والعلم وصاحب الخلواتية والصوفية الصافية النابعة من الإسلام الصحيح والنقي من كل البدع· وبعد هذه اللمحة التاريخية عن المنطقة والطريقة الرحمانية والتصوف والدين الإسلامي في منطقة القبائل والمقاومة الشعبية، سواء تلك التي قامت في وجه الاتراك او بعد الاحتلال الفرنسي بقيادة الشريف بوبغلة ولالة فاطمة انسومر، لتأتي بعد ذلك ثورة 1871 وإعلان الثورة من قبل الإخوان الرحمانيين وتم الاعلان والدعوة للجهاد في السوق من قبل الشيخ الحداد، ومن هنا تبدأ سيرة الشيخ البطل الذي انتفض ضد الاحتلال وانتفضت معه الجزائر وليس فقط منطقة القبائل، بل وصل مد الثورة الى منطقة ورقلة والزاب وبوسعادة والأغواط والى نواحي متيجة بغض النظر عن الشرق الجزائري، وأصبحت ثورة 1871 التي أعلنها الحاج محمد المقراني وانضم إليها الشيخ الحداد وزعرعت الكيان الفرنسي في الجزائر، تشكل بداية لنهاية الاحتلال، كما تنبأ بذلك الشيخ الحداد نفسه، الذي القي عليه القبض وحوكم بقسنطينة هو وأبناؤه والكثير من طلبته ومريديه وتم نفيهم الى كاليدونيا· وقد قدم الكاتب أشياء جديدة من حيث الصور التي تحصل عليها للشيخ عبد العزيز ابن الشيخ الحداد، وهو مقيم في مكة بعد فراره من منفاه كاليدونيا، كما تكلم المؤلف عن وصايا الشيخ الحداد السبع ومنها وصيته بدفنه في مسقط رأسه صدوق والتي قد تتحقق في صيف هذه السنة وتنقل رفاته من قسنطينة الى صدوق· كما تكلم المؤلف عن قضية التنصير والتبشير في منطقة القبائل التي تعد الحاضنة الأساسية للغة العربية والدين الإسلامي وعليها تحطمت كل أحلام الاستعمار الفرنسي في عملية سياسية مدروسة لزعزعة المنطقة وبث الفرقة والشقاق بين الذين جعلهم الدين الإسلامي إخوة في الإنسانية وإخوة في الدين، ولا فرق بين أحدهم على الآخر إلا بالعمل الصالح· كما ذكر المؤلف كتب الشيخ الحداد وقولته المشهورة للجزائريين حين قال "فرنسا تخرج من الجزائر لكنكم ستبحثون عن جبتها"··· الكتاب يتكون من عدة فصول وملاحق ومزود بصور وثائقية·