نفاد العديد من السلع في اليومين الأولين من رمضان لا يمكن تفسيره حسب بعض العارفين بشؤون العرض والطلب، إلا بلهفة كبيرة للزبائن قابلها جشع كبير للتجار، فقد ''قامت القيامة'' على بعض السلع، وكأن الموائد الرمضانية لا تمتلئ إلا بها، فهذا يبحث عن الحشيشة والمعدنوس، وآخر عن الزلابية وقلب اللوز وثالث عن خبز المطلوع، ورابع عن بعض اللحوم الحمراء.. مما جعل التجار أنفسهم يستغربون ذلك، فقد غادروا طاولاتهم مبكراً لأن سلعهم نفدت بسرعة البرق، وفي ظل هذه الحمى الموسمية لا نستغرب أيضاً أن يكون العديد من ''الصائمين'' ممن غلبتهم بطونهم وراحوا يبالغون في مضاعفة الشراء لئلا يخرجوا للتسوق ثانية في أجواء حارة، مما خلق ندرة زادت من بارومتر اللهفة، رغم أن السلع متوفرة بكثرة ولا تستدعي مثل هذه التصرفات. ولا نكون مغالين إذا أجزمنا بأن كل ''مصنوع مبيوع'' في رمضان كما يقال، لأن المواطن العادي صار مضطراً في ظل التهاب الأسعار والندرة أحياناً إلى شراء كل معروض، فالزائر لبعض طاولات الأسواق الشعبية بالخصوص يلاحظ بقايا سلع معروضة يمكن إيجاد مثيلاتها في كومة القمامة، لكنها تباع للمضطر، فقد ذكر لي أحد الزملاء أن تاجراً أهداه رزمة حشيشة بلا مقابل، ليس لأن التاجر يتصدق بسلعه في رمضان، ولكن لأن السلعة نصفها ذابلة والآخر مصفر، وإمكانية بيعها غير مؤكدة. لكن بعض العائلات التي تعرف مفاتيح العرض والطلب، لا تقتني إلا الشيء القليل من السلع، فلا تجد حرجاً في شراء رطل من هنا وكيلوغرام من هناك، حتى لا تزيد في التهاب الأسعار، لأن الأسواق في رمضان - كما عوّدتنا من قبل- لن تبقي على سقف واحد موحد، وهو ما يعرفه الجميع، مما يجرنا للحديث عن التدبير المنزلي الإيجابي الذي تفتقده معظم العائلات، وهو ما يفتح الأبواب على مصراعيها للانتهازيين.