تشهد فرنسا موجة واسعة من الاحتجاجات العارمة التي تنظمها قوى اليسار والنقابات العمالية، تعبيرا عن رفضها لمشروع إصلاح نظام التقاعد الذي قدمته الحكومة للجمعية الوطنية (البرلمان) تمهيدا لإقراره. وتأمل النقابات أن يشارك في هذه الاحتجاجات التي ستشهدها مختلف المدن الفرنسية مليونا شخص، ويتوقع أن تشل مختلف المرافق العمومية بما فيها المدارس ووسائل النقل. وقال مصدر إعلامي في باريس عياش دراجي إن هذه "الثورة اليسارية والعمالية العارمة ستضع الحكومة بين فكي كماشة البرلمان والشارع". وأمام حدة الانتقادات المتصاعدة لسياساته، يقول الرئيس نيكولا ساركوزري إنه مستعد لتقديم بعض التنازلات، لكنه لن يتراجع عن أساسيات الإصلاح، وهي رفع الحد الأدنى لسن التقاعد من 60 إلى 62 عاما، ورفع سن الحصول على معاش كامل للمتقاعدين من 65 إلى 67 عاما. في الوقت الذي يواجه ساركوزي تحديات صعبة قبل انتخابات الرئاسة المقررة عام 2012 بعد وعود بإنهاء تقاعس فرنسا عن إجراء إصلاحات اقتصادية، كما يحتاج لتقليص العجز المتزايد بالموازنة (8% حاليا)، الأمر الذي يعني إما الدخول في سنوات من التقشف أو زيادة الضرائب أو كليهما. وقالت الشركة الوطنية للسكك الحديدية المملوكة للدولة إن خدمات القطارات ستقلص بنسبة 50% أو أكثر، لكن خدمة قطارات يوروستار إلى بريطانيا ستعمل على النحو المعتاد. بدورها قالت شركة الطيران الفرنسية إن الرحلات الجوية القصيرة والمتوسطة المدى ستخفض بنسبة 50% بمطار أورلي جنوبي باريس، وبنسبة 90% بمطار شارل ديغول شمال شرقي العاصمة، لكن الرحلات الجوية الطويلة لن تتأثر. وتعتزم اتحادات العمال في شركة أو.دي.أف للكهرباء وشركة توتال للغاز التوقف عن العمل في محطات الطاقة النووية والمصافي، لكن ليس لدرجة قد تؤدي إلى انقطاع إمدادات الطاقة للمنازل. ودعت كل اتحادات العمال الرئيسية العاملين في القطاع الخاص على الالتحاق بنظرائهم في القطاع العام في إضراب ليوم واحد واحتجاجات في نحو مائتين من شوارع البلاد، يؤمل أن تضاهي احتجاجات مماثلة شارك فيها زهاء مليوني شخص في أنحاء فرنسا في جوان الماضي. وشدد حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الذي ينتمي إليه ساركوزي على تصميم الحكومة على المضي قدما في تنفيذ العناصر الرئيسية للإصلاح. وقال المتحدث باسم الحزب فريدريك لوفيفر إن "إصلاحا حيويا كهذا يحتاج إلى شجاعة، ونحن نتحلى بها". بدوره قال وزير العمل إيريك وورث إن الحكومة ستمضي قدما في الإصلاحات مهما تصاعدت حدة الاحتجاجات. وتقول الحكومة إنه إذا لم تجر تعديلات رئيسية لنظام معاشات التقاعد الفرنسي -منها رفع سن التقاعد- فإن نظام المعاشات سيمنى بعجز سنوي يبلغ 50 مليار يورو (67 مليار دولار) بحلول العام 2020.