لم نكن نعلم أن الرمال ستنضج أدبا، رغم أن هذا النضج كان موجودا، وأن الكثير من الشعراء والقصاصين والروائييين هم من الجنوب حتى وإن ولوا وجوههم شطر المدن الشمالية، ها هي أدرار تنبت شعرا وقصصا وتضيء قنديل الحبر على عناقيد الكلمة، الثقافة تتحرك من الجنوب وموسم الأدب قد يكون خصبا بالشعر والقصص، فها هي المجموعة الأولى القصصية للقاص المتميز عبد الله كروم تتنفس النور وتصعد إلى المطابع لتعلن عن ميلاد قاص من خلال مجموعته ''حائط رحمونة''. صدرت مؤخرا عن مقامات للنشر والتوزيع والإشهار ''حائط رحمونة'' وتعد البكور، الأولى للقاص: ''عبد الله كروم''. يقول الأستاذ والأديب: الشريف الأدرع عن هذه المجموعة القصصية: » لاشك أن تعيين كروم لأسلاف سرديته على هذا النحو، سيتخذ تجليات معنوية وفنية في قصصه السبع التي تكون مجموعته، تبرز انخراط نصه ضمن السرد العام الذي يحيل إليه هؤلاء الأسلاف وتحدده جغرافيته الخاصة...«. ويضيف الأديب الشريف الأدرع عن كاتب هذه المجموعة : » إن العملية التي تنطوي عليها كتابات واحد من أبناء أدرار، هذه المنطقة الغالية من جنوبنا الكبير، هي عملية استصلاح للأرض، استصلاح يجعل منها مكانا للتخيل وإجراء الحدث القصصي، وحبك مادته«. بشهية شرسة ومتعه مدهشة يجعلك عبد الله كروم تعيش عالمه القصصي، تتنقل مع بطله تتعاطف معه، تمنحه أحاسيسك، بل أكثر من هذا تقاسمه أشياءه. أنت ابن المدينة.. أو أنت الذي تسكن في شمال الوطن في المدن المرقعة بالبياض والاخضرار، لا تحلم بالرمل إلا في مواسم الاصطياف حين يجذبك البحر إليه لتطفئ حرارة الصيف بين أمواجه، لكن هناك في الجنوب الواسع والبعيد المفتوح على الرمل الذي يتدفق الماء في شرايينه المحتجبة يصبح الماء، بل يؤكد أنه هو كل شيء يهبنا الموت والحياة، تبادرك القصة الأولى من المجموعة، بل تفاجئك بهذا ''ماء من دم'' قصة الماء التي مازالت تشكل محور الحياة فكيف تكون هذه القصة في الصحراء ''الفقرات''، تنطلق القصة من بدايتها مثل ميلاد الكلمة الأولى »في البدء كان الماء... وأرض الظمأ والقحط تغازل ريح المطر«. هكذا يبدأ المشهد الأول للقصة كموسيقى تصويرية لفيلم رعاة البقر... صور متتالية متزاحمة تلتقط من الصحراء: »سر استمرار الإنسان على أديمها ماء ''الفقارات'' ينساب تحت الأرض في أنفاق مستقيمة تترابط بين الآبار... قد يغور الماء ويجد الناس بالبحث عنه حتى في أحشاء الرمل البعيدة ليفجروها حياة... تمضي القصة هكذا ولكن تنتهي بنا لمأساة، لضريبة الماء : » وعند منتصف البئر، حدث أن انقلب السطل، وانزلق الفأس الحاد وتدحرج في البئر، ليستقر في ذلك القلب الملئ بالأمل والفيض والحنان«. ولكن لماذا القلب؟ » قلب خفق حرقة على حالة الغاية، على الإنسان، والحيوان، والشجر، والحجر، وعلى كل شيء في الواحة، وأخيرا... هوى النجم، وترقرق دمه ماء، وانساب في الينابيع... ضحايا قطرة الماء في واحتي، لا يحصون عددا، كلما شريت الماء شممت رائحة الدم«. القصة الأولى هذه تفتح لك باب الرمل وتسلمك للأمل المجهول وتطوف بلك بين الموت والحياة. أما القصة الثانية من المجموعة فقد اختار لها القاص عبد الله كروم ''مرمار العتبة''، فهي أسطورة أو خلاصة لعدة أساطير، ليحيلنا القاص على القصة التي تحمل اسمها المجموعة ''حائط رحمونة''... جدار قديم سامق في الهواء، يعانق السماء بفجة في أعلاه، تستقبله الزرازير بالزغاريد، والحمائم بهديلها. وبعد هذه القصة تأتي القصة الرابعة من المجموعة ''الواحة المنسية'' و''رقصة الشمس'' و''القرصنة البريئة'' لتختتم المجموعة بقصة ''التويزة''. هذه المجموعة القصصية تبشر بميلاد قاص مبدع سيملأ الفضاء الفسيح وسيحول الرمل الى واحات الكلمات، ليشكل منها فصولا ومشاهد تعطي لعاشق الرمل قطرة الماء والحياة... قد قال مدير دار الثقافة ينينه عبد الكريم عن هذا الأديب القاص: » فها هي مجموعته الأولى أيها المبدعون، وها هو عبد الله كما هو، طفلا بذاكرة الصبي التي لا تنسى، ينشر ما خزنته الطفولة من صور فضاء جميل مشبع بالحنين الى زمن البراءة والصفاء، صور تعبر بصدق عن تراث أدرار وبخاصة الشفهي منه وما يؤثث هذا الفضاء الرحب من عادات وتقاليد وثقافة شعبية...«. المجموعة تحتوي على سبع قصص من القطع المتوسط تتوزع على 63 صفحة، صدرت عن مقامات للنشر والتوزيع والإشهار.