الكاتبة عمارية بلال (أم سهام) ل "اليوم الأدبي": لا يقلقني أبدا إن أهمل النقاد تجربتي الإبداعية عمارية بلال المعروفة بأم سهام من مواليد مدينة وهران، شاعرة وقاصة وأستاذة مهتمة بالنقد الأدبي والشعري. أصدرت مجموعة من المؤلفات في النقد والشعر والقصة منها:"الرصيف البيروتي" عام 1986، "من يوميات أم علي" عام 1999. وفي الدراسات الأدبية صدر لها "جولة مع القصيدة،تأملات وخواطر حول الشعر" عام 1986، و"شظايا النقد والأدب" عام 1989. في هذا الحوار تحكي الشاعرة عمارية بلال عن تجربتها في الشعر والكتابة وعن النقد الذي ترى أنه لا يواكب الزخم الإبداعي الحاصل والذي صرحت مؤخرا أنه أهمل تجربتها. حاورتها: نوّارة لحرش اليوم الأدبي: توزع مشوارك الأدبي بين الشعر والقصة،لكن الأغلبية تعرفك شاعرة بالأكثر،فماذا تقولين؟ عمارية بلال: اتجهت منذ بداية مسيرتي الإبداعية صوب الشعر قراءة وتذوقا ونقدا لأنني أعتقد أن القصيدة الشعرية بما فيها من زخم فني جمالي ومعرفي يجسد حقا حلم الإنسان ويترصد خلجات نفسه. وقد جمعت تلك الكتابات في كتاب يحمل عنوان "جولة مع القصيدة". ثم اتجهت في نشوة عارمة نحو الإبداع الشعري وقررت الولوج في الهم الإنساني، فنشرت مجموعتي الأولى التي تحمل عنوان "زمن الحصار وزمن الولادة الجديدة" ضمن منشورات إتحاد الكتاب العرب بدمشق سنة 1989 من تصدير الدكتور المؤرخ والباحث أبو قاسم سعد الله. ثم تواصلت المغامرة الشعرية بإصدار "أميرة الحب" عن دار الغرب باللغة العربية طبعا ثم ترجمتها بنفسي إلى اللغة الفرنسية وكان ذلك سنتي 2003 و 2004. وقريبا من تلك الفترة نشر ديوان "حكاية الدم" من منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين ضمن سنة الجزائر بفرنسا. ثم واصلت هذه الرحلة الإبداعية الممتعة بمجموعة "فتح الزهور" شاهدة على العصر باللغتين العربية والفرنسية. وذلك في دار الأديب سنة 2006 (وفتح الزهور هذه هي والدتي المرحومة التي توفيت في تلك الفترة) وقد صدر لي ضمن الجزائر عاصمة الثقافة العربية ديوان شعر خاص بالفتيان أو الشباب يحمل عنوان "أبجدية نوفمبر". قال عنه الأستاذ إبراهيم قار علي وهو البرلماني الذي كان رئيس تحرير جريدة الشروق اليومية هذه الكلمة الصادقة التي أعتز بها:"أبجدية نوفمبر هي ملحمة بطولية ثورية تقدمها أم سهام في صور شعرية متحركة للأطفال، وإن الشهداء هم الذين يلهمون الشعراء ولكن الشعراء هم الذين يخلدون الشهداء حين يحيونهم في نفوس الأبناء". أحببت الشعر لأن كلماته لا تخلو من الدهشة والتمويه والغرابة، هو التطواف في بحر المجهول والتشرد في خضم عتمة الواقع والحلم. هي هذه الكلمات التي تطمع إلى التغلغل في لحم الواقع لتكون القراءة بمساحة الانفعال ومساحة الجنون واللامعقول. فالشعر يبقى عندي طفولة الطفولة ووداعة الوداعة وأكبر مدرسة للحب والتسامح والالتحام والعطاء والوفاء. أما كتاباتي القصصية والتي يضمها كتابان أو عملان إبداعيان الأول تحت عنوان "الرصيف البيروتي" الصادر عن المؤسسة الوطنية للكتاب سنة 1986 و"من يوميات أم علي" الصادر أيضا عن المؤسسة الوطنية للكتاب سنة 1999. أود أن أقول بكل تواضع أن مجدي الأدبي قد حققته بكتاباتي القصصية حتى كدت أن أرفض عندما اتجهت بعد هذه الكتابات القصصية التي صنعت الحدث وقتها بجرأتها اللامعهودة. فحبي لكتابة القصة القصيرة والطويلة سيظل يسري في عروقي وأرجو أن لا تبعدني القصيدة عن متعة الكتابة القصصية والسرد. وتبقى رحلتي مع الإبداع والاحتراق رحلة نحو المجهول لا يمكن أن أرسم خطواته ومعالمه بطريقة إرادية واعية. فالكتابة شعرا ونثرا تشكل عندي بؤرة ينضوي في ثناياها الصراع من أجل الحب والجمال والخير. وكلما كثر القهر واستبدت قبضة القهر والمنع والاضطهاد ازدادت شهيتي لكتابة متسمة بالعمق والوعي والمخاطرة لمحاولة تلمس مواطن الخراب والانكسار في جسد وعقل هذه الأمة. هل يمكن أن تتحدثي عن تجربتك الأدبية، كيف تستحضرينها، تقرأينها، كيف كانت مراحلها، تفاصيلها؟ هناك محطات كثيرة مهمة لكن أهمها المحطة الأولي وهي مدينة وهران، هذه المدينة الرائعة التي فجرت ينابيع القول في صدري فغنيت لها كثرا ومازلت أغنيها بمحبة وافتتان. المحطة الثانية ملحق "النادي الأدبي" لجريدة الجمهورية الذي كان يشرف عليه الكاتب والإعلامي المعروف بلقاسم بن عبد لله وقد كان يحتضن الملحق الكثير من الأقلام من كل أرجاء الوطن وحتى من خارج الجزائر. كان النادي الأدبي تجربة رائدة في الصحافة الأدبية، وكان العمل في أركانه عملا ممتعا متحركا ينبض بالجديد والمفاجآت ويبعث في النفس أنواعا من الدهشة والانبهار، مما شجعني على الالتزام بركن خاص وهو ركن مع المجلات خلال مدة سنتين، وقد كانت حقا رحلة من رحلات البحث والتنقيب لا أنساها أبدا. فأدركت أنذاك أن الاقتراب من أجواء أية مجلة كان يتطلب مرجعية واسعة ويتطلب التحلي بالحذر واليقظة والوعي على طول الخط. فكل نقد يؤدي في النهاية إلى إبداء الرأي في قيمة العمل الفكري أو الإبداعي حتى وإن كان ذلك مجرد تعريف عاجل، وكثيرا ما ينزلق الناقد في هذه الحالة إلى تمييع النصوص الفنية والفكرية في ظل متاهات نقدية تتسم بالعشوائية والتسرع في إصدار الأحكام قبل الدراسة والبحث. أما المحطة الثالثة فهي برنامج "دنيا الأدب" الإذاعي الذي كان يبث تارة من الجزائر العاصمة وتارة من الإذاعة الجهوية بوهران وقد كان عملا مشتركا بيني وبين الأستاذ بلقاسم بن عبد الله الذي يعود له فضل تأسيسه. وما أعظم هذه التجربة في حياتي الأدبية وما أروع التواصل مع عشاق الكلمة عبر أمواج الأثير. فهي كوة من ضوء، وهي لسعة حب وعطاء، هي إبداع الإبداع. استمر البرنامج يبث روائع الشباب وينظم المسابقات الأدبية ويجدد في طريقة البحث تماشيا مع التطور التكنولوجي الهائل ويتحدى العقبات قبل أن يوقف بقرار إداري مع باقي البرامج الثقافية الفاعلة في الساحة. وأذكر منها برنامج الدكتور الراحل يحيي بوعزيز في التاريخ وبرنامج "أوراق ثقافية" للأستاذ الإعلامي عبد القادر ميموني. وأخيرا هناك محطات أخري لا تقل أهمية كقيامي بكتابة الرسائل الثقافية إلى دمشق ومصر وحضوري الكثير من الملتقيات والمهرجانات ، الكثير منها داخل الوطن والقليل القليل خارج الوطن. هناك من يرى أن تجربتك الشعرية أهملت من طرف النقاد ولم تنل حظها من القراءات النقدية، حتى أنت لمحت لهذا الأمر أكثر من مرة؟ لا يقلقني أبدا إن أهمل النقاد تجربتي الإبداعية شعرا فالنص الأدبي هو الباقي وهو الأخلد ، هو الراسخ في العقل والوجدان. النقد لا يستطيع أن يواكب هذا الزخم من الإبداعات وهذا التدفق المستمر. في مجال الرسائل الجامعية فقد بدأت كتاباتي تشق طريقها بثبات والحمد لله ولست متشائمة بمستقبلي الأدبي حتى وإن أهمل اسمي في المعاجم والسير الذاتية. برأيك أين توجد جمالية الشعر؟ أين تجدينها؟ تبقى جمالية الشعر في شفافيته وصدقه وتدفقه وزخمه المعرفي والجمالي الفني حتى وإن ظللنا نقول ونردد إن أعذب الشعر أكذبه. بعد هذه السنوات من الكتابة والتراكم في التجربة والحياة ماذا تقولين؟ بعد هذا التراكم في التجربة الإبداعية والحياة والنضال كما تفضلت أقول: أتمنى أن أحتفظ بمصداقيتي وأظل وفية لاختياراتي الأساسية وهي عدم استعمال قدراتي الفكرية والجمالية للحصول على المنصب مهما كان. ماذا في حوزتك الآن، هل من جديد؟ لي مجموعة من القصائد والقصص التي كتبتها في المدة الأخيرة ولم أفكر بعد في نشرها بجانب مجموعة شعرية مترجمة إلى اللغة الفرنسية تحمل عنوان "اغتيال الفجر" ولي مشاريع أخرى سوف ترى النور في وقتها بإذن الله. وأخيرا تبقى الكتابة عندي سواء كانت شعرا أو نثرا إبداعا أو نقدا أكبر مخاطرة من أجل البقاء، فهي معركة حياة أو موت ،أن تكون أو لا تكون. معركة إنقاذ أحلامنا من السقوط والانهيار، معركة ينبغي أن نهيء لها كل أدوات النقد والمساءلة للدخول في عالم ذاكرتنا التي نريد جادين بنائها البناء الصحيح والسليم، حتى نحضى ببقعة متميزة في فضاءات العولمة المكتسحة كل الميادين والفضاءات. وأخيرا أشكر المبدعة الرقيقة والإعلامية القديرة نوّارة لحرش على استضافتي في مملكتها الدافئة المليئة بالحب والتقدير والتواصل.