يعتبر الموسيقي خليل قاسي من صناع المجد الفني بالجزائر، تلقى تعليمه الفني بمعهد الموسيقى بالجزائر العاصمة رفقة لمين بشيشي وسعيد خوجة، ثم اتجه الى التدريس الفني بمعهد بئر مراد رايس لمدة تزيد عن 33 سنة، رافعا شعار »الأخلاق والقيم أولا« ''المساء'' التقت الأستاذ خليل قاسي ونقلت لكم هذا الحوار. ''المساء'' : باعتبارك أستاذا في التربية فنية لمدة طويلة كيف تقيم التكوين الفني بين الأمس واليوم؟ الأستاذ خليل: صراحة التكوين آنذاك كان يتميز بنوع من الصرامة والدقة والاهتمام، أكثر مما هو عليه اليوم، وأنا لا أتحدث هنا عن البرنامج المسطر بين النظري والتطبيقي الذي كان يسلط الأضواء على عدة جوانب موسيقية كتاريخ الموسيقى العربية، الأندلسية والأوروبية، وكان المنخرط فيها يتعلم أسس الفن والموسيقى، لكن هذه المرافق للأسف أصبحت حاليا قطبا يتجه إليه كل من يعاني الفراغ ليصبح الفن مجرد شيء ثانوي في حياته. لو طلب منك ترتيب وضع الموسيقى في الأجندة اليومية للأفراد، أين تضعها؟ الموسيقى مهمة في بداية مطلع كل يوم، ولذا فقبل البدء في أي نشاط مهني أو فكري لابد من الاستماع لفاصل موسيقي يساعد على الاسترجاع، فهي نوع من العلاج النفسي الذي يساعد على التخلص من التوتر إذا تم اختيارها وانتقاؤا ها جيدا. ما هي مشاريعك؟ مازلت أؤدي مهنة التدريس بمعهد بئر مراد رايس، وهو الأمر الذي يستدعي المتابعة الجادة، لهذا لم أقم بجمع المعزوفات التي قمت بتأليفها، إلا أنني أعتبر سنة 2011 فرصة للنهوض. وماذا عن جمعية العلاج بالنغمة التي قمت بتأسيسها سنة 97؟ هي جمعية أسستها بمقر سكناي بابن عمر بهدف العلاج بالموسيقى، نظرا لما حققه هذا النوع من العلاج من نتائج إيجابية عند الأفراد، خاصة من الجانب النفسي الذي يعتبر بديلا لاستعمال بعض العقاقير المهدئة، وقد توقفت بسبب ضيق الوقت، وعملي كأستاذ، إلا أنني أطمئن الشباب الذي يتمنى عودتها بأنني بصدد تجديد الوثائق اللازمة كي تستأنف هذه الجمعية نشاطها. حدثنا عن تجربتك في العمل بالجوق الموسيقي بالإذاعة الوطنية؟ آه، للأسف.. كانت أياما ولن تعود، فقد كنا نعمل في أجواء حميمية وأخوية، فقد كان العارفون، الفنانون والإعلاميون يشكلون أسرة واحدة على غرار الحاج رابح درياسة، خليفي أحمد، عمر الزاهي وبشطارزي، الى جانب الخرجات الفنية التي كنا نقوم بها إلى مختلف ولايات الوطن وخارجه، وكان الإبداع الفني يحتم علينا المنافسة والهرمونية ولم نكن نطمح إلى الربح المادي بقدر كان الهدف خدمة الفن. وكيف ترى مستقبل العزف في الجزائر؟ الحمد لله، نملك معهدا موسيقيا كبيرا به 72 ملحقة، لذا فالفنان والملتحق به يتخرج بشهادة تثبت تأطيره المحكم ولا أتحدث عن الهواة وإنما المحترفين، سواء في الغناء أو العزف. هل تعتبر الجزائر من الدول التي أسست للموسيقى العالمية؟ بالمقارنة مع الدول العربية، أعتبر أن الجزائر قد رفعت التحدي وعدلت المعادلة الصعبة في مجال الموسيقى العالمية، خاصة بعد توظيف التراث في الموسيقى العالمية وإعطائه بصمة جزائرية عززت الهوية والأصالة، وهذا المزج الجميل بين الموسيقى العالمية والطبوع الجزائرية، جعل الفن الجزائري يرقى ويلقى رواجا، وأنا شخصيا فخور بالعازف الكلاسيكي الجزائري المرحوم ميغاري والقائد عبد القادر بوعزازة والسيدة زهية زواني قائدة جوق الأوركسترا السمفونية »ديقر تيفتوب« بفرنسا، إلى جانب أسماء جزائرية تكونت في هذا الجانب بأكبر العواصم الأوروبية. 33 سنة من العطاء الفني، ماذا منحك الفن وماذا منحته أنت؟ لقد منحني الهناء وراحة البال ومنحته الوفاء والإخلاص، ولا أندم أبدا على هذا الوفاء، لأنني عملت بضمير فني تربوي، رغم أنني كنت ومازلت من الأسماء اللامعة في سماء العزف الكلاسيكي، إلا أنني لم أنحرف وراء أية شهرة. كلمة أخيرة... الحمد لله، لقد بقيت في الجزائر أثناء الظروف الصعبة التي مرت بها، عكس بعض الأسماء التي تلقت التكوين الفني وفضلت الانتماء الى بلدان أخرى بغية الكسب السريع، كما أشكر الله عز وجل الذي أمدني بالقوة والصبر خلال مسيرة التكوين التي قمت بها مع أجيال، لذا فأنا فخور لأني علمتهم الصولفاج وأنواع الموسيقى والعزف، علمتهم خدمة الفن بأمانة، رغم أني لم أنصف وأتمنى أن أحصل على حقوقي.