اعتبرت السيدة ''نصيرة كداد'' رئيسة المجلس الوطني للأسرة والمرأة، ومديرة السكان بوزارة الصحة، أن جهودا كبيرة بذلت في الجزائر لتحسين وضع المرأة وتمكينها من المشاركة في الحياة العامة، اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، لكن يمكن تسجيل عدة نقائص لاسيما ضعف مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي وفي تنمية البلد، وكذا ضعف المشاركة السياسية للمرأة لاسيما في مناصب اتخاذ القرار. وأكدت في حوار مع ''المساء'' على أهمية مكافحة العقليات الرجعية التي تكبل المرأة، وكذا مكافحة ظاهرة العنف ضدها، وثمنت الإجراءات الأخيرة الخاصة بتشغيل الشباب وإدماج المرأة الماكثة بالبيت، مشددة على أهمية العمل في المستويات المحلية للقضاء على الهوة التنموية المسجلة بين مختلف مناطق الوطن. - نحتفل كل عام باليوم العالمي للمرأة، ويعد كل المسؤولين في مختلف المستويات بتحسين وضعها ودعمها أكثر من أجل مساهمة حقيقية في الحياة العامة وفي تنمية البلاد، كيف تقيّمين وضع المرأة الجزائرية في الوقت الراهن؟ * في الحقيقة، أي تقييم لوضع المرأة في الجزائر لايمكن أن يتم بتجاهل التطورات الملحوظة وغير القابلة للنقاش التي تحققت منذ الاستقلال دون إهمال النقائص، والحديث عن وضع المرأة يجرنا حتما إلى الحديث عن التنمية العامة للبلاد، وذلك لأن التنمية هي شرط ضروري لتطور وضع المرأة وتحسنه، وكذا لتمكينها من المشاركة الفعلية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلد، على كل المستويات. ففي المستوى الاجتماعي، هناك نتائج بارزة تشير إلى تطور وضع المرأة، تظهر خصوصا في ارتفاع نسبة تمدرس البنات التي فاقت ال90 بالمائة، وهو مؤشر هام لمشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. في مجال الصحة كذلك هناك نتائج جيدة عكست الجهود المبذولة في هذا الاتجاه، وتتضح خصوصا في انخفاض نسبة وفيات الأطفال، لاسيما قبل بلوغ السنة من العمر وفي السنوات الخمسة الأولى، إذ تشير الأرقام إلى انخفاض حالات الوفاة قبل السنة الأولى من 148 حالة في الألف خلال السبعينيات إلى 24 حالة وفاة في الألف حاليا، والملاحظ أن معدل وفيات الإناث أقل، إذ يصل إلى 22 حالة، بينما تبلغ لدى الذكور 26 حالة، وهذا راجع لعوامل جينية وطبية تجعل الأنثى أكثر مقاومة من الذكر، ونلاحظ أن ذلك أسهم في ارتفاع أمل الحياة بالجزائر الذي انتقل من 47 سنة في الستينيات إلى 77 سنة حاليا بالنسبة للمرأة التي تتفوق على الرجل بعامين -وهو المتوسط طبعا - كما يمكن أن نشير إلى أننا لانعاني من ظاهرة وفاة النساء أكثر من الرجال. بالمقابل وعلى صعيد مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية، فإنه يمكن القول إن التطور مازال محدودا بالرغم من أن نسبة البنات في الجامعات بلغت 68 بالمائة، أي أنهن متفوقات على الذكور. صحيح أن المرأة تعمل في القطاع الموازي أي تعمل بالبيت، لكن على مستوى النشاط الاقتصادي الفعلي مازالت مشاركتها ضعيفة. والأرقام توضح ذلك، لدينا 11 مليونا من السكان النشطين حسب آخر الإحصائيات، لا تمثل المرأة فيهم سوى مليونا و830 ألف، أي 15 بالمائة، في حين يحتكم الرجال على نسبة 85 بالمائة. نفس المشاركة الضعيفة نلاحظها على المستوى السياسي، ونقصد هنا المشاركة في أخذ القرارات الخاصة بتنمية البلاد، وهذا رغم دسترة المشاركة السياسية للمرأة من خلال المادة 31 مكرر التي أقرها رئيس الجمهورية، لكن لم تصدر بعد القوانين العضوية التي تمكن من تطبيقها، نلاحظ أن النسبة في الجزائر ضعيفة حتى مقارنة بالدول المغاربية، فحتى النساء الجامعيات لايصلن إلى مناصب اتخاذ القرار، وأعتقد أن هذا راجع إلى ''القوالب النمطية الاجتماعية والثقافية''، وكذا ''الحواجز الاجتماعية'' التي تمنع المرأة من الوصول إلى سوق العمل، كما لايمكن إنكار أن التمييز ضد المرأة ما زال موجودا داخل الأسرة الجزائرية، وأن طريقة الحكم في المجتمع الجزائري مازالت ذكورية، وهناك عوامل مقاومة تمنع المرأة من الوصول إلى مناصب المسؤولية، فضلا عن غياب الشروط الملائمة لاستمرار المرأة في النشاط الاقتصادي، وأعتبر أن تغييب المرأة عن هذا المجال يعد المشكلة رقم واحد. - لماذا تعتبرين تغييب المرأة عن المجال الاقتصادي يعد المشكلة الأهم؟ * بكل بساطة، لأن عدم مشاركة المرأة في المجال الاقتصادي يطرح مشكل استقلالية المرأة ويجعلها دائما تابعة وخاضعة لمحيطها، كما أنه عامل يؤدي الى ''هشاشة'' وضع المرأة، أنا أعتبر أن مشاركتها في هذا المجال يعد شرطا ضروريا لتحررها، لا أقول هذا بدافع تأييد المرأة أو الانحياز لها، ولكن لإدراكي أهمية هذه المشاركة، لذا هناك تأكيد على مستوى وزارة الأسرة وقضايا المرأة، وكذا المجلس الوطني للأسرة والمرأة على ضرورة وجود إجراءات مرافقة لتسهيل عمل المرأة لاسيما توفير رياض الأطفال، وتكييف أوقات العمل مع خصوصيات المرأة لاسيما ربة البيت. وهنا لابد من الإشارة إلى مشكل حقيقي تعاني منه النساء، ويساهم في عدم اندماجهن في الحياة العملية، وهو الأمية التي بلغت نسبتها الوطنية 22 بالمائة، النساء يمثلن 31 بالمائة من الأميين وطنيا وتصل النسبة في بعض المناطق إلى 46 بالمائة، لهذا لابد من الإشادة بكل الأجهزة التي وضعت لتشجيع التشغيل لاسيما التي تمس الشباب والتي تدمج المرأة الماكثة بالبيت... وهي الإجراءات التي خرج بها مجلس الوزراء المنعقد مؤخرا والتي اعتبرها هامة جدا لأنها أعطت دفعا كبيرا لهذه الأجهزة. من جانب آخر أرى أنه من الضروري أن يتم تركيز الجهود التنموية على الجانب المحلي من خلال عمليات محددة بأهداف واضحة، فجدير بالقول أن الأرقام التي نعطيها هي معدلات وطنية، لكن هناك هوة كبيرة بين مختلف مناطق الوطن يجب أخذها بعين الاعتبار، لذا أقول إن التحدي الأكبر هو العمل على المستوى المحلي، وبعيدا عن الإحصائيات يجب إجراء دراسات نوعية لفهم المحركات التي تؤدي إلى هذه المؤشرات، مثلا يجب أن نطرح سؤالا مهما ''لماذا لاتذهب البنات في بعض المناطق إلى المدرسة رغم توفر المدرسة والإطعام والنقل؟'' وهنا تظهر أهمية العمليات الاتصالية والإعلامية. كما لا يمكن أن نهمل الحديث ونحن نقيّم وضع المرأة الجزائرية اليوم عن قضيتين هامتين هما تأخر سن الزواج أو العزوبية، وكذا المرأة المطلقة، لأنهما تعيشان كلتاهما أوضاعا صعبة بسبب استمرار انتشار بعض العقليات الرجعية، وتلقينها حتى للأجيال القادمة، وهو ما يدفعني للتأكيد على ضرورة ترقية المضمون التربوي والإعلامي في هذا الخصوص. وهنا أريد أن أحيي الجهود المبذولة من طرف الوزارة المنتدبة المكلفة بالأسرة وقضايا المرأة التي دأبت على إعداد استراتيجيات مختلفة لحماية المرأة، منها إستراتيجية مكافحة العنف ضد النساء وكذا الإستراتيجية الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، ومؤخرا الإستراتيجية الوطنية للأسرة، ونحن كمجلس وطني سنعمل على أخذ هذه المبادرات كخارطة طريق والاندماج فيها وتطبيقها ليس فقط على مستوى العاصمة ولكن في كل مناطق الوطن، لهذا قمنا العام الماضي على مستوى المجلس بتنظيم ملتقيات جهوية بحضور السلطات المحلية التنفيذية في عدد من الولايات من أجل تحسيس هذه الجهات بأهمية المواضيع المطروحة وجعلها تندمج في هذا العمل بدورها. لابد من طرح النقاش حول إدماج المرأة في النشاط الاقتصادي. - إذا تحدثنا عن معادلة المرأة والأسرة، هل ترين أن دور المرأة داخل الأسرة قد تغير؟ * في الحقيقة لا يمكن اليوم الحديث عن نموذج واحد للأسرة في الجزائر، لأنني أعتبر أن كل شيء في حياتنا يتميز بديمنامية، سواء تعلق الأمر بالمجتمع أو الأسرة أو الديموغرافيا، أنا أقول إننا كمجتمع نعيش في مرحلة انتقالية، لذا نجد كل انواع الأسر، التقليدية والنووية وأسرة تجمع الاثنين معا. والدليل أن هناك شبابا من الجيل الجديد مازالوا يفكرون بعقلية قديمة، كأن يرفض بعضهم عمل المرأة أو الزوجة خصوصا، والمرأة اليوم حتى لو كانت عاملة فإنها بمجرد أن تدخل الى البيت تلبس مئزر ربة البيت لتقوم بدورها التقليدي المتمثل في رعاية الزوج والأولاد، لذا تحدثت عن ضرورة وجود إجراءات لمرافقة المرأة العاملة حتى لا تفقد عملها دون أن نقلد الغرب، لأنني متأكدة أن المرأة الجزائرية تصر على الحفاظ على هويتها وثقافتها وتقاليدها. - وماذا عن صحة المرأة؟ كيف تقيّمينها كمديرة للسكان بوزارة الصحة؟ * بصفة عامة يمكن القول إن الجزائر في هذا المجال نموذج يقترب من النماذج الموجودة في الدول المتطورة، ونلاحظ تغير واقع الامراض ببلادنا منذ الاستقلال، فبعدما كانت الامراض الطاغية هي المعدية والمتنقلة مثل الأوبئة، والتي بذلت جهود كبيرة للقضاء عليها، وهو ما اعطى ثماره، إذ أصبحت اليوم الامراض المزمنة كالسرطان والسكري وارتفاع ضغط الدم هي الطاغية. وهذا أمر طبيعي لأن الجزائريين اليوم يعيشون مدة أطول وهذه الأمراض تتعلق بالسن، أما بالنسبة للمرأة فإن الحديث عن صحتها يجرنا للحديث عن وسائل منع الحمل التي تطور استخدامها كثيرا، إذ انتقل من 36 بالمائة في الثمانينات إلى 52 بالمائة حاليا، وتصل النسبة إلى 62 بالمائة إذا أدمجنا وسائل منع الحمل التقليدية. المرأة اليوم إذاً لاتريد إنجاب عدد كبير من الأطفال، فالمعدل هو طفلان ونصف، وهي بالتالي تجد الوقت الكافي للقيام بنشاطات أخرى، كما أن هناك تقييما أفضل للطفل. وبالنسبة للإنجاب، فإننا نلاحظ أن كل النساء يلدن في مؤسسات استشفائية وعيادات متخصصة، لكن يبقى عدد النساء المتوفيات أثناء الوضع كبيرا رغم انخفاضه، فمن 230 حالة وفاة في 100 ألف ولادة في أواخر الثمانينيات انتقلنا إلى 117 حالة في 100 ألف سنة ,1999 وعلينا الذهاب نحو 60 وفاة في 100 ألف حالة من هنا إلى ,2015 لكن أعتبر أن الامر ليس سهلا لأن الخطر يحدث وقت الوضع، كما أن تأخر سن الزواج يزيد من الأخطار، لاسيما في ظل نقص المتابعة أثناء الحمل، لأننا هنا نتحدث عن متابعة متعددة، خاصة وأننا لاحظنا أن المشاكل تنجم خصوصا عندما تكون المرأة مصابة بالسكري أو بارتفاع ضغط الدم، كما أن ارتفاع الولادات في السنوات الأخيرة على خلفية ارتفاع عدد الزيجات التي وصلت إلى 338 الفا في ,2009 يحدث ضغطا على المنظومة الصحية. - كلمة عن الاحتفال بالثامن مارس * أعتقد أنه من المهم أن نحيي العيد العالمي للمرأة، لأن النضال مستمر ويجب مواصلة المطالبة بالحقوق، ومازالت الفروق بين الرجل والمرأة كبيرة، هناك دائما شيء ينقص. أعتقد كذلك أن الاحتفال هام لكي نتذكر، والجميل انني ألاحظ ان هناك اتجاها نحو إدماج الرجال في إحياء هذا اليوم. لكن علينا أن نشير إلى أيام أخرى هامة منها اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة واليوم العالمي للمسنين. وبالنسبة للآفاق أتمنى أن تتحسن صحة المرأة أكثر فأكثر، لاسيما صحة الأمهات، وهناك عمل يتم على مستوى وزارة الصحة والسكان في هذا الاتجاه.. أتمنى كذلك إقامة شراكة مع المجتمع المدني والإعلام للوصول إلى الأهداف المسطرة، أقول إن قضية الشباب هامة جدا، ويجب الاعتناء بها وهنا لا أتحدث فقط عن المرأة بل عن الرجل كذلك، لأن الشباب هم أزواج المستقبل. هناك قضية العنف ضد المرأة التي لايجب أبدا إهمالها. أما النشاط السياسي للمرأة فسيتطور إذا حررنا المرأة من كل الثقل التربوي والاجتماعي الذي يكبلها... ويجب أن تشارك المرأة في التنمية كما شاركت في تحرير البلاد من الاستعمار