نطقت محكمة الجنايات لدى مجلس قضاء برج بوعريريج في جلستها العادية مؤخرا، بالحكم ضد المتهمين في قضية المضاربة في أسعار الإسمنت، حيث التمس النائب العام تسليط عقوبة 20 سنة ضد كل المتهمين، لينطق قاضي الجلسة بأحكام متفاوتة ضدهم وبرأ البعض الآخر، وهذا بعد أن وجهت لهم تهمة ارتكاب جناية الغش والتهرب الضريبي وجنحة المضاربة غير المشروعة وانعدام الفوترة وممارسة تجارة تدليسية بدون سجل تجاري. حيثيات القضية تعود إلى العام الماضي. حيث تمكنت فرقة الدرك الوطني بولاية برج بوعريريج من توقيف مركبة ذات مقطورة تحمل ترقيم ولاية ميلة محملة ب 20 طنا من الإسمنت ملك للمتهم (ب.ع.س) البالغ من العمر 33 سنة، وبحوزته فاتورة صادرة من شركة الإسمنت بولاية المسيلة باسم المتهمة الرئيسية (م.ق) القاطنة ببرج بوعريريج، على أساس أنها تاجرة في مواد البناء بالجملة، وبعد استفساره عن وجهة البضاعة أكد أنه كلف من طرف المتهم (ب.ع.س) صاحب شركة للنقل البري بنقلها إلى أحد تجار التجزئة لمواد البناء ببلدية مجانة شمال ولاية البرج، وهو الأمر الذي خالف الوجهة المدونة في الفاتورة، ومنها انطلقت التحريات، أين تم تشكيل فريق من المحققين من كتيبة الدرك الوطني ببرج بوعريريج، وأثبتت التحقيقات أن صاحب شركة النقل البري يتحصل على وصولات الإسمنت ثم يقوم ببيعها للناقلين العموميين أصحاب الشاحنات وهم بدورهم يقومون بإخراج كميات الإسمنت من المصنع بفواتير تحمل أسماء أشخاص غير معروفين ثم يقومون ببيعها إلى تجار التجزئة الخواص بأسماء مستعارة وبدون فواتير، إضافة إلى أن المعني يعمل ضمن شبكة تم تحديد هوية عناصرها تمتهن التجارة غير المشروعة في مادة الإسمنت بالولايات المجاورة للبرج، وبناء عليه وضعت فرقة الدرك الوطني لولاية برج بوعريريج حدا لنشاط الشبكة المتكونة من 08 متهمين تنشط في مجال المضاربة بأسعار الإسمنت، وتوصلت من خلال التحقيقات إلى فك خيوط الشبكة التي تعمل بمختلف ولايات الوطن، وتضم ضمنها تجار مواد البناء وناقلين، استمر نشاطهم منذ عام 2002 وتمثل في إخراج كميات هامة من الاسمنت من الشركة وتوجيهها إلى السوق السوداء. وحسب تصريحات المتهمة الرئيسية أثناء التحقيقات والمتهم الثاني في القضية (ب.س) والمتابعين بتهمة الغش والتهرب الضريبي. فإنهما قاما باستعمال السجلات التجارية الخاصة بالمتهمين الثالث والرابع (ب.ع.س) و(ب.ب) في المتاجرة غير الشرعية بالإسمنت، مستغلين بذلك وضعهما المادي المتدني وجهلهما بالأمور التجارية للتهرب من دفع الضرائب وتحميل مسؤوليتها لهما، فضلا عن إنشاء شركة وهمية للنقل لتغطية تجارتهم، حيث صرحت المتهمة الأولى أن المتهم الرابع وعدها بالزواج وبعد فترة اقترح عليها إنشاء سجل تجاري باسمها لفتح محل لمواد البناء.. مدعيا أنه توقف عن النشاط كونه متابعا من طرف إدارة الضرائب، فيما صرح المتهم الثاني أنه وقع ضحية للمتهم الثالث الذي استغل سجله التجاري خلال الفترة الممتدة بين 2002 و2006 نظير مقابل مادي، ليجد نفسه متابعا من طرف إدارة الضرائب بمبلغ 22 مليار سنتيم، وهي التهم التي أنكرها المعنيان اللذان تجمعهما صلة قرابة، لكن تصريحات الشهود والناقلين أثبتت أنهم كانوا يستعلمون وصولات باسم المتهمة الأولى والمتهم الثاني من طرف صاحب شركة النقل البري المتهم الثالث في القضية دون حضورهما، وتم في هذه القضية حجز كمية معتبرة من الإسمنت قدرت ب 99 طنا تم تسليمها إلى مفتشية أملاك الدولة، والكشف عن الطرق التدليسية والتمويهية في نشاط الشبكة التي حققت أموالا طائلة في ظرف زمني قصير، بالرجوع إلى الأموال التي تم اكتشافها في رصيد المتهمة الأولى المقيمة بولاية البرج، وكذا المتهم الثاني المقيم بولاية سطيف، أين توصلت المصالح المختصة إلى تحديد رقم أعمال المتهمة الذي فاق خلال مدة 05 أشهر 120 مليار سنتيم ترتبت عنها 08 ملايير القيمة المستحقة لدى مصالح الضرائب، وقامت خلال تلك الفترة بإخراج ما يفوق 18300 طن من الإسمنت وفاقت حصتها اليومية فيها 100 طن، ونفس الشيء بالنسبة للمتهم الثاني الذي فاق رقم أعماله في سنوات النشاط 400 مليار سنتيم، ليترتب عنها 24 مليار سنتيم كضرائب، وبلغت الكمية التي تاجر بها 300 ألف طن من الإسمنت، وأثبتت تصريحات الشهود أن كميات الإسمنت كانت توجه مباشرة من عناصر الشبكة لتباع في السوق السوداء بأضعاف أسعارها الأصلية. وبعد الاستماع للشهود الذين فاق عددهم ال 30 شخصا وتصريحات المتهمين الثمانية، طالب ممثل الحق العام تسليط عقوبة 20 سنة للجميع، لينطق قاضي الجلسة بالحكم الذي يقضي بإدانة المتهمة الرئيسية (م.ق) والمتهم الثاني (ب.س) ب 05 سنوات سجنا بعد أن تمت متابعتهم بارتكاب جناية الغش والتهرب الضريبي، وإدانة المتهم الثالث (ب.ع.س) والمتهم الرابع (ب.ب) بالسجن لمدة 03 سنوات وتم توجيه لهم تهمة ارتكاب جنحة المضاربة في أسعار الإسمنت، عدم الفوترة، التزوير واستعمال المزور في محررات رسمية عرفية وممارسة تجارة تدليسية وتقليد أختام السلطة، وكذا إدانة المتهم الثامن (ر.ع) بعام حبسا نافذا بعد أن تمت متابعته بجنحة المضاربة غير المشروعة وانعدام الفوترة وممارسة تجارة تدليسية بدون سجل تجاري، فيما برأت ذمة 03 متهمين آخرين من التهم الموجهة إليهم، وبهذا تكون محكمة الجنايات قد فصلت في أكبر قضية تتعلق بالمضاربة بمادة الإسمنت.