سعى العالم إلى القضاء على الثنائية القطبية بهدف نزع فتيل التوترات الأيديولوجية والسياسية ومنها إبعاد شبح الحروب وإبعاد عوامل إطالة عمرها المتمثلة في دعم المعسكرين الشيوعي والرأسمالي لطرفي النزاع المسلح. وكانت فكرة الإطاحة بهذا النظام أو ذاك أمرا صعب التجسيد بناء على هذا الدعم، أما وقد سقط المعسكر الشيوعي وسيطر المعسكر الرأسمالي الذي وعد بحرية الشعوب وحماية حقوق الإنسان واحترام سيادة البلدان وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، فقد فتح العالم الثالث عينه على واقع أعاده إلى أيام الوصاية والانتداب بعبارة أخرى وجد نفسه ضحية استعمار جديد عادت معه الدول الاستعمارية القديمة إلى فرض هيمنتها على مستعمراتها السابقة بشتى الوسائل المتاحة ومنها التدخل العسكري كما هو الحال مع أفغانستان والعراق واخيرا ليبيا وقبلها الصومال. وإذا كان المتضايقون من الثنائية القطبية على حق لأنها مصدر التوترات السياسية داخل البلد الواحد وزعزة الثقة بين البلدان الجارة فإن المبشرين بجنة الأحادية القطبية لم يكونوا يتوقعون أن تختار جل بلدان العالم الثالث خاصة تلك الغنية بالثرواث المعدنية وعلى رأسها البترول والغاز موالاة الدول التي تتحكم فيها الشركات العملاقة أو أن تعيش عدم الاستقرار والثورات الداخلية. لقد انتقل العالم من وضع طغت فيه الأيديولوجية على الصراعات الاقليمية والدولية إلى وضع طغت فيه المصالح، والفرق بين الصراعين أن الأول تراعى فيه عدة عوامل تحوله إلى حرب باردة غير معلنة في حين يشعل الثاني حروبا في ظرف قياسي دون مراعاة أية أعراف أخلاقية أو دبلوماسية أو إنسانية. لقد انتقل العالم من السيء إلى الأسوأ فهل يجب أن يتحول إلى وضع يجمع فيه بين الأسوأين؟!