زقانون الجذب''، ''نصائح للحياة''، ''المفاتيح العشرة''، ''قصة نجاح''، ''زد من احترامك وتقديرك لنفسك''، ''كن لطيفا''، ''الحياة بعد الخمسين''، ''النجاح في الاختبارات''... هي عناوين لكتب وإصدارات أصبحت مكتباتنا تعج بها. وهي بالفعل تجلب الانتباه وتثير الفضول، لاسيما وان أغلب من كتبها يقول إنه جرب هذه الطرق في حياته، وأنها هي التي جعلت منه مشهورا وغنيا. لكن فعاليتها بالنسبة للجزائريين تثير التساؤل، لاسيما وأن الكثيرين ممن تحدثنا معهم حول مدى نجاعتها يرون أن تطبيق هذه الطرق قد يكون مجديا... لكن ليس ببلادنا. مثل هذا الجواب يدفعنا للتفكير فيما إذا كانت بعض مميزات الحياة بالجزائر وخصوصياتها الاجتماعية تعد مبررا كافيا لاعتبار هذه الطرق مجرد نظريات لاتنفع للتطبيق، أم أن العقلية الجزائرية المكبلة بقيود اجتماعية عديدة ترفض أن تستوعب الجديد، وهذا ما يحد من طموح الجزائري كفرد، ويجعله يحبذ التفكير بمنطق ''المكتوب''، و''القضاء والقدر'' بدل الإيمان بقدرته على تغيير وضعه. فهم الذات نعم... تغيير الوضع صعب تقول حياة (إطار في هيئة عمومية) التي تعودت على قراءة مثل هذا النوع من الكتب إن الاخيرة تساعد من الناحية النفسية، وتوضح ''مثلا عادة نرى المشاكل التي نعيشها من زاوية واحدة ولكن بقراءتنا لهذا النوع من الكتب تتضح لنا الزوايا الأخرى التي كانت خافية علينا، وهو ما يسهل عملية إيجاد الحلول للمشكل، كما أنه من خلال تجربتي الشخصية لاحظت أن من النتائج التي نخرج بها انفتاح أكثر على الذات وفهم أكبر لها، وكذا فهم الحياة بطريقة أخرى''. وعن مدى تطبيقها لكل ما قرأته في هذه الكتب تجيب ''نعم هناك تأثير كما قلت سابقا في طريقة تفكيري أو رؤيتي للأشياء لكن ليس لدرجة تمكيني من تغيير وضع ما، أو تطبيق التقنيات التي تتحدث عنها، أنا أتأثر أكثر بالفكرة العامة وبالفلسفة التي فيها. عموما استفدت منها وأحب قراءتها، في كل الاحوال تستفيدين ولو بفكرة واحدة. مثلا أنا في طبيعتي متوترة، وبعض هذه الكتب تؤكد على فكرة الصبر التي لم أكن استسيغها كثيرا، ولكن عند مروري بفترات صعبة في حياتي لجأت لقراءة بعضها وبها تعلمت أهمية الصبر، لأنني كنت أعتقد أن الصبر هو مجرد الجلوس دون عمل شيء وهذا يقلقني، والآن أدركت المعنى العميق للصبر الجميل''. وإذا كان الاطلاع على هذه الكتب لاسيما في مرحلة صعبة يمر بها المرء قد يعني إخراجه من حالة اكتئاب، فإنه قد لايعني الشيء الكبير بالنسبة ل''نرجس'' المختصة في علم النفس التي تثير الموضوع من جانب آخر إذ تقول ردا عن سؤالنا حول مدى حبها مطالعة مثل هذه الكتب ''قليلا ما أقرأها أو لنقل أنني أقرأها بطريقة سطحية وليست عميقة، وذلك بغية أخذ فكرة لا أقل ولا أكثر، فقراءتها نابعة من رغبتي في الاطلاع فقط لأنني درست هذه الأشياء كلها حين كنت طالبة في معهد علم النفس، وبالتالي فهي مواضيع ليست جديدة علي''. لكن هل ينفي التخصص في علم النفس الاستفادة الشخصية من مثل هذه الكتب؟ ترد بالقول ''هذه الكتب تفيدني لأنها مكملة لدراستي ومعرفتي، أما من الناحية الشخصية فمثلا يمكنني الاشارة الى ان فكرة ''إذا اردت شيئا فعلا يتحقق'' اؤمن بها، فلما عدت للوراء وجدت ان الفكرة صحيحة. رغم انني لم استعملها في حياتي. لأنني تجاوزت ربما مرحلة البحث عن الذات''. لكن قد تتصادم كل النصائح المقدمة من الخبراء الذين يعتبرون أن قدر الانسان في يده، مع واقع جزائري مغاير يتميز بتدخل العائلة والمجتمع في قرارات الفرد مهما كانت درجة اهميتها، وهنا تصبح مثل هذه الكتب شبيهة بحكاية خيالية نقرؤها دون أن يكون لها أي مكان في واقعنا. وتحدثنا صوراية عن تجربتها مع هذه الكتب التي لجأت اليها وهي في حالة نفسية صعبة، بعد ان تعرضت لخيبات امل متكررة منها شخصية واخرى مهنية، تقول ''كنت في حالة نفسية لا أحسد عليها، هي عبارة عن اكتئاب متعدد الجوانب، فكرت اذا في الاستعانة بكتب التنمية البشرية والبرمجة العصبية، بعد ان سمعت عنها واستمعت الى بعض معديها، فكما تعلمين ليست لدينا ثقافة التوجه إلى أخصائي نفساني، ونظل نبحث عن مخرج لدى أشخاص آخرين، لكني فضلت الكتب بدل الأشخاص لأن مشاكلي لم يكن لها حل واضح وسهل''. اقبال كبير على الكتب ...والنتيجة نسبية وتتذكر محدثتنا انها اشترت كتابا لاول مرة حول البرمجة العصبية، وكانت جد مندهشة لما قرأت فيه من اشياء، اذ توضح ''فعلا قرأت الكتاب بنهم كبير، لانني وجدت فيه اشياء رائعة واكتشفت جوانب في ذاتي كانت غير واضحة في ذهني، ولعل اهمها هي ادراك معنى البرمجة العصبية، وكيف اننا برمجنا من طرف اسرتنا والمجتمع على اشياء اصبحنا نفعلها باوتوماتيكية دون ان نعمل فكرنا فيها.. أعتقد اننا برمجنا على فكرة القضاء والقدر بطريقة غير صحيحة، أو لنقل بطريقة تنفي كل دور لارادتنا ورغباتنا، وهو ما يجعلنا في الكثير من الاحيان نشعر بالحزن والكآبة... لكن بالمقابل أشير الى ان هناك أمورا كثيرة صعبة التطبيق لأنني مثلا ليس لدي سلطة القرار المطلقة في شؤوني.. إن المجتمع الجزائري يفرض على المرأة بالخصوص جملة من القيود التي تجعلها مكبلة، لذا وأنا اقرأ هذه الكتب تساءلت كيف يمكن ان نطبق ما فيها في وقت لانملك فيه الاختيار وحق التصرف في حياتنا كما نريد...وأظن ان هذا هو العائق الكبير في حياتنا''. وفي سياق مشابه تحدثنا إيمان عن تجربة طريفة حدثت لها مع هذا النوع من الكتب، إذ تشير الى أنها اشترت كتابا حول ''قانون الجذب'' كانت قد نصحتها به صديقتها ويتحدث خصوصا عن قدرة الإنسان على إرسال إشارات ايجابية الى الكون تعود عليه نفعا والعكس صحيح، أنه يؤكد على ان أي فكرة تجذب مثيلاتها، وان الإنسان إذا أراد ان يفعل شيئا عليه ان يتصرف كما لو ان الشيء قد تم فعلا وسيحدث له ما أراد. تواصل بالقول ''أردت تجريب هذه الطريقة وكنت أود اقتناء سيارة، فتصرفت وكأنها أصبحت لدي، إذ سجلت للقيام بحصص سياقة لتحسين قدراتي على القيادة، وبدأت أتابع الجديد في عالم السيارات حتى أختار واحدة، وفي تلك الفترة فعلا رأيت نفسي وأنا في سيارتي، لكن ماحدث هو إصدار قرار توقيف منح القروض الاستهلاكية وأنا كنت أعول على قرض بنكي... وبالتالي ذهب مشروعي أدراج الرياح، ولا أدري فعلا ان كان السبب هو واقعنا المغاير أم انني لم أحسن تطبيق ما جاء في الكتاب''. وتؤكد صاحبة مكتبة في وسط العاصمة ان هذا النوع من الكتب يعرف إقبالا منقطع النظير من طرف الجزائريين كبارا وصغارا، وعن سؤالنا حول مدى نجاعتها وفعاليتها تقول ''أعتقد من خلال عملي اليومي واحتكاكي بزبائن المكتبة أنها جد فعالة، والدليل ان الكثير ممن اقتنوا بعضها يعودون ويؤكدون أنهم استفادوا منها كثيرا ويرغبون في اقتناء كتب أخرى من نفس النوع'' وتضيف ''تجب الإشارة الى أن أغلب الكتب المطلوبة في هذا المجال لكتاب أجانب سواء كانت باللغة العربية أو اللغة الفرنسية، كما ان هناك كتابا لهم سلسلة كاملة تتحدث عن زوايا عدة، ومثل هؤلاء تباع كتبهم جيدا''. رغم ذلك فإن بعضا ممن تحدثنا إليهم أقروا بأنهم لم يستفيدوا من هذه الكتب، ومنهم راضية التي تعترف لنا بأنها ليست أبدا راضية على تجربتها، وتقول ''أصبحت لا أحتمل قراءة مثل هذه الكتب لأنها لاتأخذ بعين الاعتبار الواقع الجزائري، إنها منجزة من طرف أجانب عاشوا في واقع مغاير، اما واقعنا نحن فمختلف تماما لاعتبارات عدة ثقافية ودينية واجتماعية، فضلا عن الواقع الاقتصادي الصعب للكثيرين وهو ما لايمكنهم من تحقيق مايريدون... إننا هنا لسنا بصدد الحديث عن عوائق نفسية فقط بل عن عوائق اجتماعية كثيرة تجعل من الفرد الجزائري غير قادر على اتخاذ قراراه بمفرده وهذا ما يناقض كل ما يقال في هذه الكتب''. الإسلام يشمل كل هذه ''الأفكار الغربية'' والسؤال الذي أردنا طرحه على خبيرة في التنمية البشرية هو هل الأخيرة فعالة لكل الأشخاص؟ وهل أفكارها عامة أم لها خصوصياتها، وهل تستجيب لواقعنا؟ ترد السيدة خيرة مرسلاب أستاذة في علم الاجتماع ومدربة التنمية البشرية بالإيجاب، إذ تؤكد لنا أن كل ما جاء في الكتب الخاصة بالتنمية البشرية والبرمجة العصبية التي أعدها خبراء أجانب، نابعة من عمق الدين الإسلامي وتعاليمه. تقول موضحة ''هؤلاء وصلوا عبر الدراسة والبحث العلمي إلى نتائج هي موجودة أصلا في تعاليم ديننا الحنيف مثل الصلاة والوضوء، المشكل المطروح هو أننا لانعرف الجانب النفعي لهذه التعاليم سواء على الصحة البدنية أو النفسية''. وتعطي محدثتنا مثلا عن خبير أجنبي توصل الى اكتشاف أشعة خاصة تنتشر في الثلث الأخير من الليل. وتقول ''هذا الأخصائي الذي يعمل في مصحة نفسية توصل الى ان هذه الأشعة تساهم في تهدئة المرضى، وأصبح يتعمد إيقاظهم في هذه الفترة من الليل للقيام بجولات من أجل الاستفادة منها... ونحن نعلم كمسلمين أهمية هذا الجزء من الليل دينيا لكن لاندركها من جوانب أخرى''. من جانب آخر وعن سؤالنا حول مدى توافق الطرح الذي تركز عليه نظريات التنمية البشرية لاسيما قولها ''كلما نريد شيئا يتحقق''، مع فكرة القضاء والقدر لدينا، نفت السيدة خيرة وجود أي تناقض بين المفهومين، مستدلة بوجود ''الدعاء'' الذي يتلاءم وفكرة ''قانون الجذب'' التي تقول إننا كلما تحدثنا عن شيء يحدث، لذا علينا أن ننتبه لكلامنا، فإذا قلنا مثلا إننا لن نستطيع النجاح في الامتحان فإن ذلك سيحدث، والعكس صحيح.. ولهذا يخبرنا ديننا عن أهمية القول الحسن والاستبشار والابتعاد عن التطير.