تحتفل الجزائر اليوم بالذكرى ال49 لعيد الاستقلال والشباب في صورة مغايرة تماما لتلك التي كانت عليها عند خروج الاستعمار الفرنسي من أرض الوطن، فالذي لم ير المدن الجزائرية منذ ذلك الوقت لا يستطيع التعرف عليها بعد هذه المدة بفضل الإنجازات الضخمة التي ترجمتها المشاريع المنجزة في مجالات التربية، السكن، والأشغال العمومية والتي قضت على صور الجهل والأمية، الدمار والبيوت الهشة والعزلة بسبب غياب الطرقات. عرف قطاع التربية منذ الاستقلال عدة استراتيجيات للتعليم ساهمت في تلقين اللغة العربية وترسيخ الثقافة الوطنية والدينية التي عمل الاستعمار على محوها لطمس الهوية الجزائرية وإبعاد الشعب عن مقوماته من خلال سعي فرنسا لتعليم لغتها فقط. فمنذ الاستقلال مر إصلاح المنظومة التربوية بفترات من التغيير الاجتماعي والسياسي دفع باللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية إلى إصدار توجيهات سديدة ساعدت على إيجاد التدابير التنفيذية في إطار إصلاح شامل. وشهد قطاع التربية في إطار هذه الإصلاحات مراجعة 185 برنامجا تعليميا و151 كتابا مدرسيا. وترقية مكانة التخصصات العلمية وكذا تعميم تعليم الإعلام العالي وتطوير تعليم اللغات الأجنبية. وتولي الدولة اهتماما بالغا لقطاع التربية الذي شهد في السنوات الأخيرة عدة انجازات متعلقة بالمؤسسات التربوية الجديدة، حيث يأتي في المرتبة الثانية في قائمة القطاعات التي تخصص لها ميزانية كبيرة بعد وزارة الدفاع الوطني، إذ يرصد للقطاع في إطار مواكبة الإصلاحات منذ 8 سنوات 597 مليار دينار وهو ما يعادل ميزانيات بعض الدول المجاورة في كل القطاعات. وتمثلت أهم انجازات قطاع التربية في رفع عدد الثانويات حاليا إلى 2000 ثانوية على المستوى الوطني بعدما كان عددها لا يتجاوز تسع ثانويات موروثة عن العهد الاستعماري، وهي الثانويات التي تعرف حاليا أشغال الترميم. كما أن عدد المؤسسات التي بنيت خلال العشرية الماضية لا يقل عن تلك التي تم انجازها خلال الفترة الممتدة ما بين 1962 و1999 أي حوالي 2000 ثانوية و2500 أكمالية و7000 مدرسة ابتدائية. ولا يزال قطاع التربية خلال كل دخول مدرسي يستلم منشآت جديدة لتخفيف الضغط على المدارس الحالية حيث تعرف مختلف الأقسام في كل الأطوار التعليمية تقليص عدد التلاميذ بعدما كانت هذه الأقسام تعاني من ظاهرة الاكتظاظ، ما يقارب 40 تلميذا في القسم الواحد. وأشارت إحصائيات رسمية إلى أن القطاع استلم 436 ثانوية جديدة في الفترة الممتدة من جانفي 2004 إلى نهاية 2009 في إطار المخطط الخماسي لرئيس الجمهورية وهو ما يعادل قرابة 20 بالمائة من العدد الإجمالي للثانويات المنتشرة عبر التراب الوطني إلى جانب 1209 أكمالية فضلا عن 1520 مدرسة ابتدائية و120 مؤسسة تعمل بالنظام الداخلي، ناهيك عن 2500 مطعم مدرسي ومؤسسة تعمل بالنظام نصف الداخلي. وتخصص وزارة التربية سنويا ميزانية ضخمة لتقديم منح للطلبة المعوزين حيث وفرت هذه السنة مبلغا ماليا قدره 900 مليار سنتيم لتقديم منح ل3 ملايين تلميذ معوز، كما استفاد أكثر من مليوني تلميذ محتاج من خدمات وإعانات التضامن المدرسي من أدوات وكتب مدرسية وغير ذلك من المساعدات المباشرة وغير المباشرة. وعرفت المنظومة التربوية في السنوات الأخيرة برنامجا تكوينا متواصلا بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتكوين 175000 أستاذ في مستوى ليسانس التعليم العالي و40.000 في إطار التربية الوطنية، حيث بلغ عدد الأساتذة الذين أكملوا تكوينهم الأكاديمي في الليسانس 43651 أستاذ في الطور الابتدائي و14476 أستاذ في الطور المتوسط. في خطوة لرسكلتهم وتجديد معارفهم لمواكبة التحولات التي تعرفها منظومة التعليم العصرية لمسايرة البرامج التي تتماشى مع منظومات التعليم في الدول المتقدمة. علاوة عن تسوية ملفات الأساتذة المتعاقدين وزيادة أجور موظفي قطاع التربية في خطوة لتحسين الظروف الاجتماعية والمهنية التي تنعكس حتما على أدائهم. وسمحت إجبارية التعليم في بلادنا برفع نسبة التمدرس سنة بعد سنة حيث بلغت نسبة تمدرس الأطفال البالغة أعمارهم ست سنوات 94ر97بالمائة. في حين بلغت نسبة التمدرس للتلاميذ الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6 و15 ما يعادل 68ر95 بالمائة. وسمحت انجازات قطاع التربية منذ الاستقلال وخاصة بعد مباشرة الإصلاحات في الرفع من نسبة النجاح في شهادات نهاية كل الأطوار التعليمية سنة بعد سنة. الطريق السيار يختزل المسافات في ساعات شهدت السنوات الأخيرة تجسيد مشاريع ضخمة في قطاع الأشغال العمومية سمحت بفك العزلة عن ملايين الجزائريين وربطت المناطق الأربع للبلاد ببعضها البعض من خلال التقدم في انجاز مشروع القرن المتمثل في الطريق السيار شرق غرب الذي لم يتبق منه الكثير. يصف مسؤولو قطاع الأشغال العمومية السنة المنصرمة بالمحطة المحورية للتتويج بالوفاء بالوعود التي أعطيت في إطار تنفيذ مخططات القطاع وبرنامج رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الجاري انجازه في الميدان بنسبة 98 بالمائة، كونها تبرز القفزة النوعية التي حققها نمو القطاع خلال سنة 2009 والتي فاقت بنسبة 98 بالمائة المستوى المتقدم الذي يشهده تنفيذ البرنامج الرئاسي في مجال تشييد الطرق، منها 10آلاف كلم في إطار الصيانة، وبمعدل سنوي للإنجاز انتقل من 1000 كلم إلى 8آلاف كلم. وعرفت السنة الماضية بلوغ مرحلة متقدمة في تجسيد مختلف اشطر مشروع الطريق السيار شرق-غرب بعد أن فتح رواقه بنسبة تعدت 97 بالمائة، والذي يعتبر من ابرز المشاريع التي تراهن عليها البلاد لتحقيق النجاعة المتوخاة من المخطط الوطني لتهيئة الإقليم الممتد إلى غضون ,2025 والهادف بالأساس إلى إعادة توزيع الثروة على مناطق الوطن ودفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر مختلف مناطقه. كما أنهى قطاع الأشغال العمومية في السنوات الأخيرة ومنذ الاستقلال عدة عمليات لفك العزلة عن المناطق النائية واستكمل برنامج تهيئة حظيرة جهوية للعتاد و50دارا للصيانة، وهي جلها مشاريع مدرجة في إطار تنفيذ حصة القطاع من برنامج رئيس الجمهورية، الذي يشمل 1700 مشروع مسجل بغلاف مالي قدر ب200 مليار دينار، ويرتقب أن تشهد السنة الجارية مستوى قياسيا جديدا في معدل النمو، على اعتبار أن هذا العام يشكل محطة هامة يتهيأ فيها القطاع لإنجاز كل العمليات المسجلة برسم برنامج الرئيس ومنها استكمال المشاريع التي انطلقت في إطار البرنامج الخماسي 2005 / 2009 والانطلاق في كل الدراسات التي تعني المشاريع المبرمجة في المخططات الوطنية التوجيهية للقطاع والمبرمجة للفترة 2010/,2015 إضافة إلى إنهاء كل الملفات المتعلقة بالمشاريع الكبرى المهيكلة لبعث أشغال إنجازها، ويتعلق الأمر بمشروع الطريق السيار للهضاب العليا الممتد على مسافة 1300كلم وتحضير ملف الطريق السيار العابر للصحراء الذي استكملت الجزائر الشطر الخاص بها من خلال تسليم آخر مقطع يربط ولاية تمنراست والحدود الجزائرية النيجرية على مسافة 415 كيلومتر. فضلا عن طرق الربط بين 32 ولاية من خلال الطريق السيار شرق- غرب وكذا مشاريع الطرق الالتفافية الخمسة، زيادة عن أشغال تأهيل المنشآت المطارية والموانئ. وتمكنت وزارة الأشغال العمومية في السنوات المنصرمة من انجاز 41.277 كيلومتر من أشغال صيانة الطرق الوطنية، الولائية، والبلدية وانجاز 26.092 كيلومتر من أشغال تطوير وتحديث الطرقات، علاوة عن عصرنة وتحديث المحاور المهيكلة من طرق ساحلية وأخرى تربط الشمال بالجنوب، مع انجاز 250,1 منشأة فنية تضمنت انجازات جديدة وإعادة التأهيل والصيانة، مع انجاز 87.766 وحدة إشارة عمودية، و80.810 كيلومتر من الإشارات الأفقية، إلى جانب انجاز 2.000 كيلومتر من المسالك الصحراوية معلمة بإشارات مرشدة، كما سمحت هذه المشاريع الواسعة بإنشاء 37 منشأة سفلية تمثلت في أنفاق حضرية وإزالة أكثر من 300 نقطة اكتظاظ و221 نقطة كانت تتسبب في حوادث المرور. وفي مجال دعم الاقتصاد وإعطاء دفع للحركة التجارية تم انجاز 11 ميناء وملاجئ الصيد منها 18 ميناء للصيد في عشر سنوات فقط مقابل خمسة موانئ كانت متوفرة منذ الاستقلال، مع انجاز وتدعيم 21 منشأة بحرية و21 مدرجا مطاريا. وفي سياق الحديث عن المطارات تجدر الإشارة إلى أن أكثر من نصف المطارات المتوفرة حاليا مفتوحة للملاحة، فخلال العشر سنوات الماضية تم انجاز أربع منشآت جديدة بكل من الشلف، البيض، برج باجي مختار، وعين قزام، بالإضافة إلى سبعة مطارات تمت ترقيتها إلى صنف أعلى. السكن يتصدر انشغالات الحكومة بإنجاز 3 ملايين وحدة في 10 سنوات تولي الحكومة أهمية بالغة لقطاع السكن الذي يبقى حلم كل الجزائريين حيث عمدت إلى تسطير عدة سياسات منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا لتمكين اكبر قدر ممكن من المواطنين من الحصول على سكن لائق والقضاء على السكنات الهشة والقصديرية التي لا تليق بصورة بلد كالجزائر. بلغ عدد الوحدات السكنية المنجزة خلال فترة 2005-2009 ما يساوي 912326 وحدة سكنية من كل الفئات وهو ما يمثل 2ر91 بالمائة من هدف برنامج رئيس الجمهورية الذي نص على تسليم مليون وحدة سكنية. علما أن الغلاف المالي الإجمالي لبرنامج السكن لهذا المخطط قدرت قيمته ب1581 مليار دينار. وفي هذا الإطار عرفت وتيرة إنجاز البرامج السكنية في السنوات الأخيرة تحسنا ملحوظا بمعدل السكنات المسلمة خلال سنتي 2008 و2009 بحوالي 220 ألف وحدة سكنية مقابل 120 ألف، في حين تم استلام 670 ألف مسكن في البرنامج الخماسي 1999 - .2003 ومن المنتظر أن تعرف هذه السنة تسليم أكثر من 242.500 سكن على المستوى الوطني بمختلف الصيغ من بينها 91.837 سكنا ريفيا و89.393 سكنا عموميا بالإيجار، بالإضافة إلى تسليم 42.273 سكن ترقوي و13.198 سكنا ترقويا في إطار البيع بالإيجار وإطلاق أكثر من 282.700 وحدة. وتجدر الإشارة إلى أن السلطات العمومية تنوي إنجاز في إطار الخماسي 2010-2014 برنامج 2ر1 مليون سكن لامتصاص أزمة السكن. وقد بلغت الحظيرة الوطنية للسكنات مع نهاية سنة 2009 مجموع 7090000 سكن. وبالتالي فإن نسبة شغل السكنات شهدت تراجعا محسوسا. وسطرت الدولة برنامجا طموحا للقضاء على السكنات الهشة حيث تمكنت خلال سنة 2010 من القضاء على أكثر من 70 ألف سكن من هذا النوع للتخلص من الأحياء القصديرية التي باتت تشوه المدن، وتعويضها بمنح المواطنين سكنات راقية. وقد تم إلى حد اليوم تسجيل إنجاز 380 ألف مسكنا في إطار برامج القضاء على السكنات الهشة عبر الوطن. ويضاف إلى هذا العدد من السكنات برنامج واسع لترميم وإعادة تهيئة زهاء 180 ألف سكن وبناية قديمة عبر الوطن. كما قامت الحكومة في السنوات الأخيرة بدعم السكن الريفي والاجتماعي، إلى جانب القضاء على البناءات الفوضوية وكذا توفير السكن لذوي الدخل المتوسط والضعيف، عن طريق تفعيل نظام قروض يتلاءم وقدراتهم المادية. كما أن برنامج إنجاز أكثر من 6ر1 مليون سكن خلال الخماسي الماضي نجح إلى حد كبير في تخفيض الضغط على المناطق الشمالية وتعمير المناطق الداخلية والجنوبية للوطن، حيث أن 50 بالمائة من السكنات التي أنجزت خلال الخمس سنوات الأخيرة خصت المناطق الشمالية. علما أن الحكومة تولي أهمية كبيرة للسكن الريفي من خلال تمكين أصحابه من الحصول على دعم إضافي يقدر ب20 مليون سنتيم للتقليل من ظاهرة النزوح الريفي. ولتمكين أكبر شريحة من المواطنين من الحصول على سكن عملت الدولة على تطوير برنامج السكن الترقوي المدعم الذي جاء لتوحيد صيغتي السكن الاجتماعي التساهمي وسكن البيع بالإيجار بعد تقييم البرنامجين، بحيث أن الامتيازات تبقى قائمة للمستفيدين من هذا البرنامج الجديد والمتضمنة تقليص نسبة الفوائد في القرض العقاري إلى 1 بالمائة ومنح إعانة الصندوق الوطني للسكن بقيمة 700 ألف دينار للذين تتراوح مداخيلهم بين مرة وأربع مرات الأجر الوطني المضمون و400 ألف دينار للمداخيل التي تتراوح بين 5 و7 مرات الأجر الوطني المضمون.