بينما توجه رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة الى العاصمة المصرية القاهرة، فضل غريمه السياسي ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري شد الرحال باتجاه العاصمة السورية دمشق وقاسمهما المشترك بحث الأزمة الداخلية وآليات حلها· وعكست صورة الرحلتين وجه الأزمة اللبنانية التي ظهرت بشكل واضح في القمة العربية بالعاصمة السورية دمشق بين الأطراف العربية المعتدلة المؤيدة لحكومة السنيورة وبين سوريا الواقفة الى جانب أحزاب المعارضة اللبنانية· فساعات بعد اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة اللبنانية بالرئيس المصري حسني مبارك التقى نبيه بري بالرئيس السوري بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع وكانت تداعيات الأزمة اللبنانية النقطة المركزية المطروحة على الطاولة في القاهرة كما في دمشق· وتأتي هذه المبادرة بفارق أن المقاربة المطروحة في مصر ليست هي ذاتها في سوريا، بل أنهما مقاربتان تسيران في طريقين متعاكستين وتأكد استحالة التقائهما خلال قمة دمشق بعد أن دخلت أطراف اقليمية كأطراف حسم لا يمكن تجاهلها، قادته من هذا الجانب الرياضوالقاهرة بينما قادته دمشق من الجانب الآخر· وتأتي زيارة نبيه بري مباشرة بعد تصريحاته الأخيرة التي دعا من خلالها الى الشروع في حوار وطني من أجل البحث عن حل الأزمة اللبنانية· وحمل تحرك زعيم حركة أمل وأحد أقطاب المعارضة الفاعلين على الساحة اللبنانية قراءات سياسية ذات دلالة ليس لأن سوريا أصبحت الرئيسة الدورية للقمة العربية ولكن أيضا لأنها تعد السند الذي وقف الى جانب لمعارضة وظهر ذلك جليا من خلال تجاذب المسؤوليات بين المعارضة وأحزاب الموالاة وكانت سوريا في كل مرة محور الجدل بين متهم لها ومدافع عنها· وبرزت هذه الوضعية بشكل جلي أمس في تصريحات رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بالقاهرة عندما جدد اتهاماته باتجاه سوريا وقال إنها جعلت من لبنان رهينة بين أيديها من خلال عرقلتها لكل مسعى لانتخاب رئيس للبلاد· وإذا كان بري والسنيورة بدأ كل واحد منهما في البحث عن مخرج للأزمة الداخلية فإنهما في حقيقة الأمر خطيا خطوة اضافية نحو تحويلها الى أزمة اقليمية قد تكون مرحلة أولى نحو تدويلها بدخول أطراف دولية في كواليس ادارتها· فبينما دعا رئيس البرلمان اللبناني باسم أطراف المعارضة اللبنانية الى حوار وطني"فقد حدث رئيس الحكومة وزراء الخارجية العرب الى عقد اجتماع طارئ لبحث مسألة الإحتقان السياسي الحاصل منذ أكثر من سنة ونصف في لبنان والعلاقات المتوترة مع سوريا وكذا البدء في تنفيذ المبادرة العربية الرامية الى تسوية الأزمة وتشكيل حكومة وحدة وطنية وصياغة قانون انتخابي جديد· وإذا تمكنت أحزاب الموالاة من تحريك العواصم العربية وبصفة خاصة مصر والعربية السعودية وكل دول الخليج الى جانب أطروحاتها، فإن ذلك سيضع دمشق في حرج كبير خاصة وأن هذه الدول وجهت بشكل علني أصابع الاتهام باتجاهها وحملتها مسؤولية ما يجري في لبنان على خلفية العلاقات التي حكمت البلدين منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وإلى غاية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في فيفري 2005 · والمؤكد أن تحركات طرفي المعادلة اللبنانية حتى وإن كان القصد منها البحث عن مخرج للأزمة إلا أن المعطيات التي رافقتها تذهب باتجاه تعقيد الوضع بل واستحالة التوصل الى أرضية توافقية بين كل الأطراف من أجل صالح لبنان· ومن هذا المنطلق فإن تحقيق هذا المبتغى يجب أن يتم لبنانيا ويحتم على هذه الأطراف تقديم تنازلات متبادلة بعيدا عن فكرة الغالب والمغلوب· بل إن التوصل إلى حل للمعضلة اللبنانية لايجب أن يخرج عن إطاره اللبناني بعد ان تأكد خلال قمة دمشق أن دخول أطراف عربية فيه لم يزد إلا في تأجيج الخلافات وحدّة الملاسنات وبالتالي تعميق الأزمة باتجاه الأسوء وتمديد أمدها وسيكون الشعب اللبناني حينها هو الخاسر الأكبر!·