يجمع المؤرخون والأكاديميون المختصون في التاريخ بأن الجرائم البشعة المرتكبة في حق آلاف الجزائريين الذين خرجوا يوم 17 أكتوبر 1961 بباريس احتجاجا على محافظ الشرطة آنذاك ''موريس بابون''، تبقى صفحة سوداء أخرى تضاف إلى السجل الاستعماري المخزي لفرنسا المستمرة في نكران الذاكرة. ويرى الدكتور أحمد معروفي أستاذ التاريخ المعاصر بكلية العلوم السياسية والاعلام بجامعة الجزائر في لقائه مع ''المساء'' أن هذه الجرائم الدنيئة التي تفنّن في تجسيدها جلادوا السفّاح موريس بابون محافظ شرطة باريس بتواطؤ ميشال دوبري الوزير الأول أنذاك والجنرال ديغول لاتزال لحد السّاعة تواجه عدم اعتراف الادارة الفرنسية وتنكّر الرأي العام الفرنسي، معتبرا الكشف عن الحقيقية والاعتراف بها يبقى أمرا صعبا في ظل مشكل عدم التمكن من الاطلاع على الأرشيف العمومي الفرنسي خاصة المتعلق بحرب الجرائم. وأكد أن عدم التمكن من الاطلاع الكلي على الأرشيف الخاص بمحافظة باريس والنقاط التي سجلها الأمين العام لرئاسة الجمهورية خلال مجالس الوزراء التي تبعت تجسيد هذه المجازر، سيحول دون التوصل الى فهم مختلف ردود أفعال الجنرال ديغول ووزرائه بشكل أحسن، لاسيما قضية استئناف المفاوضات مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بهدف إنهاء الحرب. كما أضاف الدكتور معروفي أن حيثيات هذه المجازر التي وقعت بباريس في 17 أكتوبر 1961 أو ما يعرف بيوم الهجرة لم يتم الكشف عنها لحد الساعة، لاسيما من ناحية العدد الحقيقي للضحايا والموقوفين والمفقودين، موضحا أن الأرقام التي قدمت في هذا الشأن لاتعكس حقيقة هذه الإبادة الجماعية التي استهدفت مظاهرة سلمية شارك فيها 60 ألف جزائري. وقال إن ''بعض المصادر الفرنسية تحدثت عن وفاة 40 شخصا في تلك المواجهات التي حدثت بين قوات الشرطة والمغتربين الجزائريين التي نفذت بأمر من رئيس شرطة باريس ''بابون'' رغم أن هناك تقديرات تصل الى 200 شخص''. كما أشار أيضا الى تأكيد مصادر أخرى بأن عدد القتلى الجزائريين تجاوز 1500 قتيل واختفاء 800 شخص جرّاء إلقائهم في قنوات المياه القذرة ونهر ''السين'' والبحر، إضافة إلى جرح نحو 7 ألاف متظاهر لا يزالون لحد اليوم يعانون من مضاعفات واضطرابات نفسية. ويضاف الى كل هذا -حسب المتحدث- توقيف 34614 شخصا وإرسال 21619 منهم إلى السجون والمعتقلات بالجزائر. ومن جهة أخرى، استغرب المتحدث مواصلة فرنسا تنكرها لهذه المجازر التي تظل تلاحقها مقابل قيامها بتمجيد أعمال جلاديها وإعادة الاعتبار لتاريخها الاستعماري المخزي في الجزائر وشمال إفريقيا بصفة عامة، مؤكدا ضرورة التركيز على استعادة الأرشيف الاستعماري الفرنسي الخاص بفترة احتلال الجزائر من 1830الى 1962 لكشف الحقيقة التي ستقود لاحقا لافتكاك الاعتراف والتعويض. واعتبر السيد معروفي أن التمسك بإدانة فرنسا بجرائمها التي ارتكبتها في حق الجزائريين سيحمل عاجلا أم آجلا الادارة الفرنسية على الاعتراف بها وتعويض المتضررين منها، داعيا الى ضرورة مضاعفة الجهود للافراج عن مشروع القانون الخاص بتجريم الاستعمار الذي يعتبر آلية قانونية مثالية لإجبار فرنسا على الرضوخ للأمر الواقع. كما تأسّف عن تأخر الافراج عن مشروع هذا القانون الذي حصّل على توقيع 125 نائبا أي ما يعادل ''ثلث'' المجلس الشعبي الوطني، مشددا على أهمية التعجيل في إعداد النصوص القانونية التكميلية لهذا المشروع الذي يعد قاعدة الانطلاق في تجريم الاستعمار والتأسيس للذاكرة الوطنية. ومن جهة أخرى، دعا الأستاذ الجامعي إلى ضرورة الاهتمام بتدوين التاريخ والتأسيس لذاكرة وطنية تؤرخ لتاريخ الثورة التحريرية، مشددا على ضرورة التفتح على المؤسسات الجامعية ومراكز البحث لأرشفة شهادات المجاهدين قصد الرجوع إليها في مختلف المناسبات الوطنية.