بعد أزيد من عام من الشروع في محاربة الظواهر المشوهة للمدينة، لم تختف ظاهرة استيلاء أصحاب المحلات التجارية على الرصيف المخصص للمارة والمندرج ضمن التخطيط العمراني للمدن، وعادت مجددا المساحات التجارية الموازية ليغزو أصحابها أحياء وطرقات العاصمة بدرجة مضاعفة منذ الأشهر القليلة الماضية، ضاربين تعليمة وزارة الداخلية عرض الحائط. في الوقت الذي غضت فيه الجهات المسؤولة الطرف تماما عن هذه الظاهرة التي تحولت بموجبها الطرقات والأرصفة من ملكية عامة إلى خاصة. منذ أزيد من سنة ألزمت وزارة الداخلية مصالح الأمن بالسهر على تطبيق التعليمة، تفاديا لعودة تجارة الطاولات في مختلف نقاط البيع الموازية التي حولها بعض الشباب البطال إلى مساحات تجارية، فأصبحت مقصد العديد من المواطنين الراغبين في قضاء حاجياتهم. وكانت البداية في العاصمة بالقضاء على سوق باب الوادي، باش جراح ثم سوق ساحة الشهداء، وكذا الطاولات التجارية وسط الأبيار. وفي هذا الصدد، كانت ''المساء'' قد أجرت استطلاعا بعد القضاء على سوق ساحة الشهداء الموازي، حيث تبين أن شوارع هذه الساحة تنفست الصعداء، لاسيما وأن قوات مصالح الأمن انتشرت بالمكان للحيلولة دون عودة تجار الأرصفة، وبالتالي تحريرها من قبضة هؤلاء الفوضويين. وفيما عبر بعض التجار عن ارتياحهم الكبير لقرار القضاء على تجارة الأرصفة بالمكان، مما أدى -حسبهم- إلى سيادة الأمن والهدوء، وكذا تفادي بعض المشاكل الناجمة عن الظاهرة. تأرجحت آراء المواطنين بين مؤيد للقرار ومتعاطف مع باعة الطاولات. السيدة ''جازية''، (أم عاملة) ترى في احتلال بعض تجار المحلات الشرعية للأرصفة مؤشرا على أن القانون فاقد لهيبته، لكنها من ناحية أخرى تتعاطف مع الشباب الذي خلق مساحات تجارية فوضوية، مشيرة إلى أن بعضهم ساهموا في إعالة عائلاتهم، ونجوا بفضل هذه التجارة الفوضوية من تيار الإجرام وتعاطي المخدرات.. ومع ذلك -استطردت- يمكن القول بأن الظاهرة مبالغ فيها، وأنها لا تعكس بالضرورة مشكلة البطالة، ذلك أن التجارة أصبحت في العشريات الأخيرة عمل من لا عمل له.. فكل شيء صار صالحا للبيع والشراء، لذا نلاحظ أن الرجال انضموا كذلك في السنوات الأخيرة إلى قائمة النسوة المتخصصات في بيع الذهب وشراء المستعمل منه. وتابعت: ''أمام الزحف المستمر على الأرصفة والشوارع ومداخل العمارات، يتبادر السؤال إلى أين ستمتد مساحة الفوضى العارمة، فحتى الصغار انضموا لتوسيع هذه المساحة بعدما كان تواجدهم بالأسواق الموازية موسميا؟ وأشارت إلى أن القيم المادية طغت على المجتمع الجزائري إلى حد سادت معه ذهنية ''مستقبل المجتمع في البيع والشراء''.. وتساءلت المتحدثة مجددا أين هو دور خلايا التوجيه النفسي والاجتماعي، أم أن دور المختصين الاجتماعيين والنفسانيين سيظل على الدوام منحصرا في سلك التعليم دون أن ينتقل إلى الميدان؟ من جانبها، فسرت الآنسة ''ليديا''، أخصائية نفسانية، إقبال العديد من شباب اليوم على ممارسة تجارة الطاولات إلى الميل الطبيعي للتجارة لدى الذكور، وهو الميل الذي يشترك فيه ذوو المستوى التعليمي مع ذوي المستوى الجامعي، فالرجل بطبعه يبحث عن مصادر الربح السريع، تحت دافع المسؤوليات التي تنتظره مستقبلا.
دعوة لإشراك اتحاد التجار في تنظيم التجارة وفي هذا الشأن، كشف الأمين العام الوطني للشؤون الاقتصادية بالاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين سعيد ?بلي، أن رقم أعمال التجار الشرعيين تراجع بنسبة 40 بالمائة منذ عودة النشاط التجاري الفوضوي في الأشهر الأخيرة، بعدما استفادوا من تطبيق تعليمة وزارة الداخلية في شهور خلت. وفسر الخبير فشل هذه التعليمة في القضاء على الظواهر المشوهة للمدينة؛ منها المساحات التجارية الموازية بالقول ''إن القضية لا تقع على الشباب وحدهم بل تشترك عدة جهات في هذه القضية لاعتبارات عدة منها عدم وجود سياسة منهجية في احتضان الشباب، لاسيما وأن التعليمة لم تتبع بتطبيق التعليمة الصادرة منذ عامين والقاضية ببناء أسواق تحتوي الباعة المؤقتين. كما أن الأحياء السكنية التي تشرف السلطات العمومية على إنجازها، رغم كونها في المستوى المطلوب، إلا أنها تفتقر إلى الأسواق، والتي يمكن من خلال الحرص على إنشائها خلق جو المنافسة بين التجار، وبالتالي خفض الأسعار''. وذكر خلال لقاء مع ''المساء'' أن معظم الأسواق الموجودة حاليا في العاصمة موروثة من الحقبة الاستعمارية، حيث أن القصبة تبقى البلدية الوحيدة التي شيدت سوقا في المستوى بالعاصمة. ما يفتح المجال لنشأة أسواق موازية تبيع مواد سريعة التلف تحت الشمس. إن عدم التوصل إلى مسعى القضاء النهائي على مختلف الظواهر المشوهة للمدينة، خاصة فيما يتعلق بالأسواق الموازية وإقبال بعض التجار القانونيين على عرض سلعهم في الأرصفة يعود إلى غياب الدور الرقابي من قبل السلطات المحلية، باعتبارها الجهة المسؤولة عن هذه التجاوزات، لافتا إلى أن الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين لم يتلق منذ صدور تعليمة وزارة الداخلية أي شكوى من مسؤولي البلديات عن ظاهرة استيلاء أصحاب المحلات على الأرصفة. نتيجة هذه التداعيات، لم يبق جزء من العاصمة إلا واجتاحته مظاهر الفوضى التي تعد اختراقا يجري على مرأى ومسمع الجهات المعنية، والجانب الذي يحتاج إلى إضاءة في هذا السياق هو أن باعة الطاولات ليسوا بالضرورة بطالين، طالما أن لديهم رأسمال وسيارات يستعينون بها في نشاطهم التجاري، إنما تجار معفيون من دفع الضرائب وثمن كراء المحلات والخضوع للمراقبة. ويستكمل حديثه ليبرز أنه في الوقت الذي يكثر الحديث عن استفحال البطالة، يشتكي بعض أصحاب المخابز والمقاهي والمطاعم من صعوبة العثور على اليد العاملة، مما يدل على أن العديد من شباب اليوم يميلون إلى الكسب السهل، ويفتقرون إلى روح المبادرة، إذ أنهم بحاجة ماسة إلى التوعية والتربية. ودعا الخبير الاقتصادي الجهات المعنية بتبني مشاريع تهتم بهذا الجانب للقضاء على التجارة الفوضوية وتشويه خارطة المدن والشوارع، وأكد أيضا أن التخلص من هذه المظاهر وفقا لإستراتيجية تنظم التجارة وتحفظ حق المواطن وتعيد للقانون هيبته، تتطلب إشراك الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين بوصفه طرفا أساسيا ومعنيا بالظاهرة.
القانون موجود والرقابة غائبة وبرأي السيدة ''نعيمة''، خريجة كلية الحقوق، فإن البطالة حولت فعلا الأرصفة والشوارع لمحلات صغيرة تشوه المشهد العام للمدينة، لكن ما هي الحلول المقدمة للعاطلين عن العمل ممن يضطرون للبحث عن حلول مؤقتة، في غياب الإمكانيات التي تسمح بفتح محلات، أو تقديم ضمانات لوكالات دعم وتشغيل الشباب، علاوة على وجود العراقيل البيروقراطية، تتساءل المتحدثة. بينما تصف استيلاء بعض أصحاب المحلات على الرصيف لعرض سلعهم بالتجاوز الذي حول الأرصفة إلى امتداد للمحلات، مبينة أنه في الوقت الذي وجد بعض الشباب البطال في الأرصفة ومداخل العمارات فرصة للاسترزاق، حذا أصحاب محلات حذوهم لعرض سلعهم كأسلوب للجذب والمنافسة، دون اكثرات بحالة الفوضى التي تخلق اختناقا مروريا بين الراجلين. وتبرز من وجهة نظر قانونية: ''لاشك أن احتلال الأماكن العمومية على غرار استغلال الرصيف لمنافع شخصية يعد من المخالفات التي يعاقب عليها القانون، لذا يفترض أن تكون لجان تتابع المخالفين في هذا المجال على مستوى كافة البلديات، لكن شتان بين المفترض والواقع، إذ يبقى التطبيق مغيب في غياب دور مصالح المراقبة رغم وجود قوانين صارمة تنص على الغلق والغرامة في حالة عدم الامتثال. وتختم حديثها بالقول ''فوضى الشارع تعطي انطباعا عن ترهل السلطة القانونية بالدرجة الأولى'