قرأت كل ما كتبه الروائي إرنست همنغواي عن إسبانيا، وعن صراع الثيران بوجه خاص، ولا أظنني أعجبت يوما بهذه الرياضة التي تسيل فيها دماء الثيران عبثا في حلبة واسعة يؤمها العديد من الإسبان ومن السياح. هو مشهد مؤثر، يتكرر دائما بنفس الإيقاع والوتيرة، ويظن الإنسان المصارع أنه خرج منتصرا من مجابهته للثور المسكين. وأنا اليوم أتساءل عن عبثية مثل هذا الصراع الذي لا جديد فيه منذ أن اخترع الإسبان هذه الرياضة الجهنمية العنيفة. كما أنني أتساءل عن الوحش في هذه المصارعة: أهو الإنسان أم الثور؟ وللإسبان رياضة أخرى تستهويهم لأنها تدفعهم على المقامرة،، وأعني بها رياضة المجابهة القاتلة بين الديكة. مبالغ كبيرة ترتهن في هذه المجابهة، وصياح كبير يتعالى من كل صوب وحدب إلى أن ينتهي الأمر بأحد الديكين المتقاتلين إلى أن يترنح وتسيل دماؤه ثم يسقط صريعا وسط جعجعة المقامرين. وهذه الرياضة لم يخرج من صلبها أدب، لا ولا خرجت منها رواية خارقة مثلما فعل همنغواي بثيران ''بامبلونه'' في روايته ''وما تزال الشمس تشرق'' وفي بحثه المطول الموسوم ب''الموت في الظهيرة''، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن حجم الديك لا يساوي شيئا بالمقارنة مع حجم الثور. حين نتمعن في الثيران التي تتقاطر دماؤها في الحلبة تحت شموس ساطعة، والديكة التي تترنح، وينتهي بها الأمر إلى أن تسقط صريعة وسط المقامرين، لا نملك أنفسنا من القول بأن الإنسان هو الوحش الكاسر في هذه الدنيا، والسبب في ذلك هو أنه صاحب عقل لا يحسن استخدامه في الكثير من الأحيان. لم أتعجب مطلقا حين قرأت على صفحات الإنترتنت أن هناك بعض البحارة الصينيين يستخدمون الكلاب كطعم للإيقاع بأسماك القرش في المحيط الهندي وذلك بأن يضعوا حلقة في خيشوم الكلب ويقذفوا به إلى البحر ليتخبط تحت ضربات القرش القاطعة ويقع القرش بدوره في الشبكة أو يبتلع صنارة هائلة. هل يحدث شيئ من هذا القبيل في الأرض العربية؟ هل هناك من يقامر بالجمال والبعير في الصحراء العربية الشاسعة الأطراف؟ لست أدري، وإنما أشعر بالألم عندما أرى إصرار الإنسان على المضي في استخدام الثيران والديكة والكلاب لترضية أهوائه.