المجاهد زرمان عمار 76 سنة من مواليد الخروب، التحق بالثورة سنة ,1955 وحكم عليه في نفس السنة بالإعدام، واجه الموت ببسالة، وقدر له أن يعيش رغم أنف القضاء الفرنسي، التقيناه صدفة بمتحف المجاهد رفقة ثلة من زملاء الدرب، كان يحمل في يده جريدة باللغة العربية، وقد سر عندما علم أننا من الصحافة، حيث فتح لنا قلبه وكانت لنا معه دردشة قصيرة عاد من خلالها إلى أكثر من نصف قرن إلى الوراء متذكرا أهم محطات حياته خلال الثورة المظفرة. يقول عمي عمار الذي كان محاطا بجمع من طلبة المتربصين للأمن الوطني من مدرسة الشرطة عمار جفال بحي سيدي مبروك بقسنطينة والذين كانوا في زيارة لملحق متحف المجاهد بالقرب من المركب الرياضي الشهيد حملاوي، أنه شاهد الثورة تخلق عندهم بدوار الصوادق، حيث كان يقطن بنواحي جبل الوحش بأعالي قسنطينة التي أعطت خيرة أبنائها للثورة من أمثال زيغود يوسف، مسعود بوجريو وبوذراع صالح حسب قول عمي عمار الذي قال إن بدايته في العمل الثوري كانت كمسبل فدائي ضمن مجموعة زيغود يوسف، ولكن تم اكتشاف أمره من طرف البوليس الاستعماري بعد القبض على مجموعة فدائية بوسط مدينة قسنطينة سنة 1955 وتم نشر صوره بكل أنحاء الجزائر من الشرق إلى الغرب. بداية المغامرة مع العمل المسلح كانت بالجبل وبالتحديد بنواحي جبل الوحش التابعة للولاية الثانية، حيث يقول عمي عمار انه التحق بالمجاهدين في نفس السنة وعمل مع العديد من الأسماء المعروفة التي ساهمت في صنع تاريخ الجزائر أثناء ثورة التحرير على غرار بن طوبال، زيغود يوسف، علي منجلي، مصطفى فيلالي وصوت العرب ضمن مجموعات كوموندوس. وعن كيفية اعتقاله، يقول عمي عمار إنه سقط في يد المستعمر سنة 1958 بعد 3 سنوات من العمل المسلح، ويتذكر جيدا ذلك اليوم الذي اعتقل فيه، حيث كان في مهمة بنواحي السمندو (بلدية زيغود يوسف حاليا) رفقة زميله الشهيد مسعود معنصري وتم اكتشاف أمرهما، ودارت -حسب عمي عمار- معركة غير متكافئة بين مجاهدين اثنين وقوة استعمارية مشكلة من حوالي 15 جنديا من الحركى، 15 جنديا فرنسيا و30 جنديا من السينغال وكانت هذه القوة مدعومة بطائرتين من نوع ريكسيون أمريكية الصنع اللتين قامتا بترصد كل حركات المجاهدين لمدة 10 دقائق قبل أن يتم القبض عليهما متأثرين بجراحهما، حيث استشهد معنصري مسعود بعد الإصابة الخطيرة التي تعرض لها والكسور على مستوى الحوض، فيما تم القبض على عمي عمار وهو يعاني من كسر على مستوى الرجل وجروح بالفخذ، ليتم زجه بالزنزانة الانفرادية بمعتقل بالسمندو لمدة 15 يوما رأى فيها الدود يخرج من جراحه، قبل أن يعلم به محققون من قسنطينة والذين جاؤا خصيصا للمعتقل من أجل استجوابه لكن الجيش رفض ذلك وتم تحويله إلى المحكمة العسكرية، حيث حوكم على عدة قضايا وأصدرت في حقه 3 أحكام بالسجن لمدة 10 سنوات و20 سنة مع الأعمال الشاقة والحكم بالإعدام بسبب تورطه في قضايا إرهابية حسب السلطات الفرنسية. ويضيف عمي عمار أنه بعد خروجه من المستشفى كانت السلطات العسكرية تحاول التأثير على معنوياته من خلال تحويله من سحن إلى آخر، حيث وضع في بادئ الأمر بسجن الكدية وبعدها حول إلى سجن لومباز (تازولت بباتنة حاليا) ثم إلى سجن الحراش أين خضع للعلاج بعد تعفن الجراح الموجودة على مستوى فخده بسبب شظايا القنابل التي استقرت في جسمه، ليحول بعدها إلى سجن الدويرة وقد قام على إثرها بتعيين 3 محامين للدفاع عن قضيته. وكانت مهمة المحامين حسب عمي عمار هي محاولة كسب المزيد من الوقت قبل تنفيذ حكم الإعدام الذي كان قاب قوسين أو أدنى بعدما تم وضع المجاهد عمار زرمان في الغرفة 13 بالسجن العسكري بالقصبة بقسنطينة تحضيرا لتنفيذ حكم الموت الذي انتظره بكل شجاعة خاصة وأن الإيمان كان رفيق دربه، وقد أخبرنا بعد سؤالنا أنه لم يفزع أبدا مع اقتراب آجال تنفيذ حكم الإعدام، مؤكدا أنه دخل إلى عالم الموت لحظة اعتقاله. لكن القدر شاء للرجل أن يعيش ويكتب له عمر جديد بعد قرار رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك الجنرال ديغول بوقف تنفيذ حكم الإعدام واعتبار المساجين الجزائريين الذين تم اعتقالهم بسلاحهم كأسرى حرب. وقد قضى عمي عمار آخر أيام سجنه بسجن الحراش سنة 1962 وكاد يفقد حياته بسبب الحريق الذي افتعله السجانين للقضاء على نزلاء السجن، حيث أخبرنا أنهم أرادوا حرقهم بالنبالم، لكن الأجل لم يحن بعد وعاش الرجل ليرى جزائر الاستقلال. وقد طالب عمي عمار من المسؤولين الجزائريين على اختلاف مناصبهم الحفاظ على مكتسبات ثورة نوفمبر التي أحصت أكثر من مليون ونصف شهيد ومثلهم من المعاقين ومعطوبي الحرب، مستغربا في نفس الوقت عدم اعتراف فرنسا التي دخلت الجزائر بالقوة وخرجت منها بالحق، بجرائمها الاستعمارية وتعويض ضحاياها. كما طالب عمي عمار في كلمته الختامية -بعد أن نال منه التعب والبسمة مرسومة على فيه وعينيه الزرقاوين لا تزالان تلمعان- من الشباب الجزائري أن يكون واعيا بقدر المسؤولية الملقاة على عاتقه وأن يكون متحدا لخدمة الوطن بعيدا عن التفرقة والفتنة.