يتحدث البروفسور''الطاهر ريان'' رئيس الجمعية الجزائرية لأمراض وجراحة الكلى في حوار مع ''المساء''، حول الوضعية العامة لعاجزي الكلى، وأسهب في الحديث عن التعديل المرتقب على قانون الصحة فيما يخص توسيع قائمة المتبرعين الأحياء، والارتقاء بملف التبرع من الموتى إنقاذا لحياة الآلاف من مرضى العجز الكلوي في الجزائر. -''المساء'': تتابع ''المساء'' كل المستجدات الخاصة بملف أمراض الكلى، ولكنها تود شروحات أكثر حول الوضع العام لهذا الشق الحساس من الصحة العمومية لتقريب الصورة أكثر للقارئ، فكيف تبسّطون الصورة بروفسور؟ * البروفسور طاهر ريان: عدد مرضى عاجزي الكلى حاليا يقدر بحوالي 15ألف مريض، فيما يتم تسجيل حوالي7 آلاف حالة عجز جديدة تضاف سنويا، وفي حاجة لزرع الكلى. والإحصائيات تتحدث أيضا عن إجراء ألف حالة زرع منذ بداية برنامج الزرع الكلوي في ,1986 ولكن هذا غير كاف. المعدل السنوي المحدد في الجزائر هو 100 عملية زرع للكلى، وهذا أيضا غير كاف، فنحن في الجمعية الجزائرية لأمراض وجراحة الكلى، نتحدث عن معدل سنوي يصل إلى 500 عملية زرع، خاصة مع توفر الكفاءات البشرية والعتاد الطبي، ولكن نقص المتبرعين يرهن هذه العمليات الجراحية، ونقصد هنا المتبرعين من المتوفين دماغيا، وهو ملف حساس جدا يبقى رهين الثقافة الشعبية. وتشير المعطيات الإحصائية أن ال 14500 عاجز كلوي من الذين يستفيدون من التصفية الدموية، موزعين على 320 مركز تصفية؛ منهم 130 تابعا للقطاع الخاص، وهؤلاء المعالجون بالغسيل الدموي يعالجون هذا في ظروف جدية، فالمريض عنده 12 ساعة أسبوعيا للتصفية الدموية، بمعدل 3 حصص في الأسبوع، والدولة توفر المكان والدواء المناسبين حتى لا يصاب بأمراض أخرى؛ كنقص الحديد وغيره، وحتى النقل متوفر بالنسبة لمن يتعذر عليه التقرب تلقائيا من مراكز التصفية، رغم ذلك، فإن المرضى يطالبون بزراعة الكلى، وهو الأمر الذي يبقى مرهونا بعدة أشياء، ولكن قبل التفصيل أكثر في هذه النقطة، نود الإشارة إلى أن النسبة الأكبر لمرضى العجز الكلوي تتراوح أعمارهم ما بين 40 و50 سنة، وهناك 20 % تفوق أعمارهم 60 سنة، فيما يشكل الأطفال الأقل من 15 سنة نسبة 10 %، فبالنسبة للأشخاص البالغين أكثر من 70 سنة، لا بأس أن يقوموا بتصفية الدم، ولكن الأقل من 60 سنة وحتى الأقل من 15 سنة، لا بد لهم من القيام بالزراعة، فمثلا يمثل الأطفال عندنا 900 حالة عجز كلوي عند الأطفال الأقل من 15 سنة، لا بد من زرع استعجالي لهم، لأن التصفية الدموية مؤقتة لا تتعدى سنة، ولأن التصفية الدموية تؤثر على نموهم الطبيعي، والعجز الكلوي يسبب مشاكل في البلوغ، وحتى آثارا نفسية بالغة دون اغفال الجوانب الاجتماعية. - وكيف ترون الحل بعد عرض هذه الحالة بالنسبة لعاجزي الكلى، خاصة الأطفال؟ * قلنا دائما إن الأطفال لا بد أن يكونوا أولوية الأولويات في برامج الزرع الكلوي، وإذا كان أمر الزرع في الجزائر غير ممكن، أو معرقل لأسباب ولأخرى؛ منها عدم توفّر المتبرعين خاصة من المتوفين دماغيا، هنا لا بد من حل عاجل حتى ولو اضطر الأمر إلى إرسالهم لإجراء عمليات الزرع في الخارج. - وهل تم لحد الآن تسجيل استجابة في هذه النقطة بالذات من طرف السلطات المعنية؟ * لا توجد استجابة مطلقة، لأن أمر التكفل بعاجزي الكلى في الخارج مرفوض من طرف وزارة العمل والضمان الاجتماعي كونها المسؤولة عن هذا الملف، ولكنها تصم الآذان في كل مرة لطلباتنا كمختصين فيما يخص التكفل بالأطفال عاجزي الكلى، بالرغم من تقديم تقارير مفصلة حول وضعهم الصحي والأسباب وراء طلب التكفل وغيره، أين الحل؟ لا ندري ولكننا سنواصل دائما ذات الطلب لأن حالة الأطفال عاجزي الكلى خاصة جدا، فهم أجيال المستقبل وضمان الصحة حق للجميع. - وأين الحل في كل هذا؟ * جمعيتنا ستواصل طرح مبادرات لإيجاد بعض الحلول، منها إحضار البروفسور الكندي ''سكيفلي'' الجراح في الزرع الكلوي، ليقوم بالإشراف على إجراء عمليات زرع كلى للأطفال، ليشرف على تكوين الطاقم الطبي الجراحي في المجال. وللإشارة، فقد أشرف على إجراء 30 عملية جراحية لأطفال جزائريين هنا بالوطن في غضون السنتين الماضيتين، في كل من مستشفى بني مسوس ومستشفى البليدة. - ولكن هناك كفاءات طبية في الجزائر جديرة بإجراء مثل هذه العمليات، فلماذا تُعهد للأجانب؟ * لا، عمليات الزرع هذه التي يشرف عليها البروفسور الكندي إنما تكون في الحالات المعقدة للأطفال عاجزي الكلى؛ مثل التشوهات الخلقية وغيرها، وبسبب غلق الباب أمام التكفل بهذه الحالات في الخارج، لذلك أخذنا على عاتقنا مبادرة جلب الكفاءات الأجنبية لإجراء مثل هذه العمليات هنا بأرض الوطن. وبما أن هذا البروفسور يشرف كذلك على تكوين أخصائيين في جراحة الكلى منذ سنتين، حيث أشرف على تكوين 3 جراحين، ولكن هذا الأمر لا يكفي، صحيح أننا نريد إجراء كل عمليات الزرع هنا في الجزائر، ولكن لا بد من معرفة أن هناك أولويات -كما قلنا- وتدريجيا ستتحسن الأمور، لكن إلى ذلك الحين، لا بد من الرأفة بحالات عاجزي الكلى من الأطفال، وأيضا بالذين لا متبرعين لهم.. - هل تتحدثون هنا عن مسألة الزرع من الجثث والتبرع بالأعضاء من الموتى؟ * صحيح، هذه النقطة تطرح نفسها بإلحاح شديد، فإذا توفرت الإمكانيات والكادر الطبي الجراحي ولم يتوفر المتبرع، فهذا يرهن كامل العملية. وقد لاحظنا أن عملية التبرع في مجتمعنا مرهونة بالمحيط الأسري، هنا نشير إلى أن الأم والزوجة وحتى الأخت يمثلن نسبة 60?، لأن الأم تعاني كثيرا إذا أصاب العجز الكلوي ابنها أو زوجها. ولكننا طالبنا بتوسيع ملف قائمة المتبرعين بالأعضاء، وقد تم ذلك حقيقة، وتعديل قانون الصحة 85-05 موجود حاليا لدى الحكومة للمناقشة، فالقانون الحالي لا يوضح بصفة دقيقة مسألة المتبرعين، وطلبنا توضيحات أكثر في هذا الإطار، أي لا يقتصر أمر التبرع بالكلى للزوج على الزوجة فحسب، وإنما بالعكس، لأن هناك حالات طلاق لزوجات بعد تبرّعهن بكلاهن لأزواجهن، أو حالات ضغط من طرف أُسرهن ومحيطهن حتى يرضخن لأمر التبرع دون رغبة حقيقية منهن للقيام بذلك، وهنا، اِلتمسنا في القانون الجديد إضافة بند حفظ حق الزوجة التي ترغب في التبرع لزوجها بكِلية بأن يحرر مثلا عريضة بعدم تطليق الزوجة بعد التبرع. وهذا ما أطلقنا عليه في القانون الجديد ''حارس المرضى'' وشددنا عليه حفاظا على حق الزوجة، ومن ثم على استقرار المجتمع. - نشير بروفسور إلى أن عمليات التبرع من الموتى مرهونة أيضا بمدى تقبل المجتمع لهذه المسألة، أليس كذلك؟ * أكيد، ولابد هنا أن نشير إلى أن أمر التبرع بأعضاء المتوفين دماغيا لا يمكنه أن يجد الحل إلا إذا كانت فيه إرادة سياسية حقيقية من صناع القرار بمجتمعنا، حتى يقبل المواطن على اقتناء بطاقة متبرع بالأعضاء بعد الوفاة، أو أن تسجل على بطاقته الوطنية ملاحظة متبرع مثلما هو معمول به في الخارج، وبهذا تُؤخذ الأعضاء بعد وفاته دماغيا وتُزرع لمحتاجيها دون اللجوء إلى أخذ موافقة أهل المتوفي والدخول في صراع طويل لإقناعهم بالأمر.. هذا العمل يعود إلى الوكالة الوطنية لزراعة الأعضاء، والجزائر متأخرة جدا في هذا الأمر، وبالتالي نطالب بتفعيل عملها بطريقة عاجلة. كذلك نشير هنا إلى انطلاق عمل المعهد الوطني للكلى وزراعة الأعضاء الذي سيكون بعد حوالي شهرين من الآن، بعد توفر العتاد والكوادر الطبية وغير ذلك، لكن عمله أيضا سيكون مرهونا بمدى توفر أعضاء المتبرعين، لذا تبقى عمليات الزرع مرهونة بعمليات التبرع! - بروفسور، هل يمكن الوقاية من أمراض الكلى المزمنة؟ * أولا يجب معرفة أن مرض الكلى المزمن من الأمراض المنتشرة في جميع المجتمعات دون استثناء، وأعداد مرضى الكلى في ازدياد مستمر في جميع دول العالم، وبالأخص في الدول النامية، وهذا ما يشكل حملا ثقيلا على النظام الصحي بشكل عام، لهذا، فمن الحكمة الأخذ بالوسائل المناسبة لمنع الإصابة بالمرض أو اكتشافه في مراحله الأولى، ومن ثم وصف العلاج المناسب لمنع تطور المرض إلى مراحل متقدمة. عموما، هناك بعض الأعراض الممكن ملاحظتها وتستوجب مراجعة الطبيب المختص، ومنها: - وجود دم في البول، صعوبة في التبول، أو الشعور بالألم أثناء التبول. وجود الحصى في البول وكثرة التبول في الليل. ومن العوامل أيضا هناك ظهور تورم في كاحل القدم، أو انتفاخ حول العينين، والإحساس بآلام في منطقة الخاصرة وأسفل الظهر. كما يجب الانتباه إلى أن هناك بعض الأمراض التي يمكن أن تؤدي إلى فشل الكلى المزمن، ومن أهمها: السكري، ارتفاع ضغط الدم، وأمراض وراثية أخرى مختلفة. وكما هو معلوم، فإن الوقاية خير من العلاج، وعلى الفرد معرفة أن هناك عدة طرق ووسائل للوقاية من الإصابة بأمراض الكلى المزمنة، ولكن في البداية يجب أن نتعرف على عوامل خطر الإصابة بهذا المرض، وهذه العوامل تنقسم إلى قسمين رئيسيين: - أولا: عوامل ممكن تغييرها وهي: - مرض سكر الدم، وارتفاع ضغط الدم. - تناول بعض أنواع الحبوب المسكنة للآلام بكثرة. - اِلتهابات الكلى البكتيرية المتكررة. -انسداد مجرى البول بحصوة أو نتيجة تضخم غدة البروستات أو غير ذلك. - السمنة. - التدخين. - شرب الكحول. - تعاطي المخدرات. - ثانيا: عوامل لا يمكن تغييرها ولكن يجب أن نتعرّف عليها: - وجود شخص أو أكثر من العائلة مصاب بمرض الكلى المزمن. - عمر الشخص أكثر من 50 عاما. - الولادة المبكرة للشخص (أقل من 32 أسبوعا)، وهنا ندعو كل الذين ولدوا في الشهر السابع من الحمل، وهم الآن شباب، التقدم لإجراء فحوصات طبية وقائية. - تعرض الكلى للإصابة نتيجة حادث. ولابد من معرفة أن وجود أحد هذه العوامل لدى الشخص تجعله عرضة للإصابة بمرض الكلى المزمن في المستقبل، ولذلك تغيير هذه العوامل بالطرق المختلفة والمناسبة يجعل من الممكن منع حدوث مرض الكلى المزمن أو على أقل تقدير، الإبطاء في تدني عمل وظائف الكلى. - وهل معنى كل هذا أنه بالإمكان تأخير الإصابة بأمراض الكلى المزمنة؟ * أكيد، هناك عدة توصيات يجب اتباعها للمحافظة على وظائف الكلى، والتي قد تؤدي إلى الوقاية من أمراضها، وتتلخص فيما يلي: - الإكثار من أكل الخضار والفواكه والبقول. - أكل اللحوم قليلة الدهن مثل الدجاج والسمك. - الإقلال من أكل الطعام المالح والدهني أو الدسم. - الإكثار من شرب الماء. - المحافظة على الوزن المثالي. - أداء الرياضة بانتظام، أو على الأقل المشي لمدة 30 دقيقة في اليوم. - عدم التدخين. - عدم شرب الكحول. - تجنب تعاطي المخدرات. - القيام بالأعمال التي تساعد على الاسترخاء وعلى خفض مستوى ضغوط الحياة اليومية. - تجنب استخدام الأدوية بدون استشارة الطبيب بالأخص الأدوية المسكنة للآلام؛ مثل الباراسيتامول التي تؤكد الدراسات بأنها تساهم في فشل الكلى بعد 10 سنوات من الانتظام في تناولها، وكذلك الشأن بالنسبة للمضادات الحيوية. - مراعاة النظافة والاغتسال بالماء لمخارج البول والبراز بعد قضاء الحاجة. - العلاج الفوري لالتهابات المسالك البولية. - تجنب احتباس البول لأوقات طويلة. - زيارة الطبيب المختص في اقرب وقت عند الشعور بأي أعراض مرضية تتعلق بالجهاز البولي لإجراء الفحوصات اللازمة، وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام حين قال: ''درهم وقاية خير من قنطار علاج''.