الالتفات إلى تراثنا الثقافي وكنوزنا العلمية، من الأعمال الرائعة التي نحفظ من خلالها هذا الموروث العظيم، وهذه المخطوطات التي تزخر بها منطقة أدرار ليست محصورة في علم الكلام والتصوف والفقه والعلوم الدينية الأخرى، بل تدبّرت الكون ونظرت إليه بنظرة علمية، وأنتجت لنا علم الفلك، فمنطقة توات أدرار في حد ذاتها، تعد مرصدا فلكيا طبيعيا، حيث صفاء السماء وانفتاح الصحراء والاهتداء بالنجوم والاستدلال بها، وهذا ما جعل أسلافنا يتركون لنا كنوزا معتبرة من ملاحظاتهم ودراساتهم، فتركوا لنا المخطوطات، ومن جملتها المخطوط الذي حققه الأستاذ مولاي عبد الله سماعيلي ''روض الزهر اليانع على مشروع المقنع في علم كان لأبي مقرع'' لمؤلفه محمد المحفوظ بن سيدي عبد الحميد القسطني الدلدولي، الكتاب صدر مؤخرا عن دار مقامات للنشر والتوزيع على نفقة دار الثقافة لولاية أدرار. محقق الكتاب الأستاذ مولاي عبد الله سماعيلي، متخصص في علم المخطوط وتحقيق النصوص، وهو جامعي حاصل على الماجستير من معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة. قسّم دراسته هذه ''روض الزهر اليانع...'' إلى قسمين؛ القسم الأول يتعلق بدراسة المخطوط ووزّعه على ثلاثة فصول، تناول في الفصل الأول مدخلا إلى علم الفلك، تناول فيه نشأته، تطوره ومساهمة العلماء المسلمين في تطويره، أما الفصل الثاني، فقد خصصه المحقق لدراسة بعض الخزائن الموجودة بتوات، فيما خص في الفصل الثالث، البحث في المخطوط فيما يخص النسخ من حيث الجمع والترتيب وحياة المؤلف وعصره، أما القسم الثاني من التحقيق، فقد تناول فيه بالبحث والدراسة المخطوط، واضعا له تمهيدا ومقدمة وفصلين، بارزة فيهما العناوين التي وضعها المؤلف. يقول الأستاذ مولاي عبد الله سماعيلي في مقدمة بحثه، ''إن التراث العلمي بصفة خاصة الضخم المنتشر في أنحاء العالم، والذي لا يزال في حاجة إلى بحث عميق، وتأصيل هذا التراث الذي استمد الفكر الإنساني منه بعض مقوماته، وشكل دعامة أساسية في بناء الحضارة الإنسانية جدير بأن نقف أمامه وقفة علمية صحيحة''. ويضيف المحقق: ''احتوى التحقيق كذلك على بوادر الحركة العلمية والثقافية لمنطقة توات بالجزائر، وما للطرق التجارية من أهمية في ذلك بين بلدان شمال إفريقيا وماوراء الصحراء من حواضر، مثل حاضرة تمبكتو، وكذلك نزول بعض العلماء في توات من الحواضر الكبرى من المغرب العربي، ثم أبرزت ما ظهر من زوايا العلم بتوات خلال القرنين الثاني والثالث للهجرة، والتي ازدحمت فيها العلوم والعلماء''. الكتاب يعد مكسبا ثمينا للمكتبة الجزائرية، من حيث أنه كشف للقراء والباحثين الكثير من الزوايا المجهولة من تراثنا، وسلط الضوء على الكنوز التي تزخر بها منطقة توات، ومن جملتها هذا الكتاب، وفي ذات الوقت، أضاف للسجل الكبير لقوائم المخطوطات رقما جديدا، بعثه للنور المحقق وأعطاه الحياة من جديد. الكتاب من القطع العادي ويتوزع على 284 صفحة، بما فيها المصادر والمراجع.