يعتبر الممثل المسرحي مصطفى صفراني بطل مسرحية "هيروسترات"، أن الفن الرابع غذاؤه الروحي وصديق لا يمكن مفارقته، بل لا يفتأ يتنعم بصحبته وإن كان يحيط هذه الصحبة في بعض الأحيان متاعب وقلق· قرر يوما أن يكوّن نفسه في المسرح بعدما شكل جسمه الصغير جزءا من الركح "الاغواطي" في مرحلة الطفولة، هو يبلغ من العمر الثالثة والعشرين، ولكنه يعرف أين يمضي وماذا يريد وإلى ماذا يصبو في عالم الفن الرابع، الذي لا يمكن أن يتنفس هواء غير هوائه·· "المساء" استضافت في فضائها المسرحي الواعد مصطفى صفراني، فكان هذا البورتريه· حب مصطفى صفراني للفن الرابع ليس وليد البارحة، بل يعود إلى أيام الطفولة، حيث يقول كل شيء يولد وينمو بالحب، أذكر أنه عندما كنت صغيرا ذهبت إلى المسرح رفقة رفاقي في الأغواط، حينها كان عمري 11 سنة وانبهرت كثيرا بالعرض المسرحي، فقررنا اقتحام هذا العالم ببراءتنا الندية وكان ذلك في فرقة "أذكياء الخشبة"، أبعد من ذلك فقد شاركنا في ثلاث دورات من مهرجان مسرح الأطفال الذي كان يقام بقسنطينة وتحصلت على عدة جوائز، من بينها جائزة أحسن تمثيل ذكور مناصفة مع طفل آخر· ويضيف "كنت أشعر أن هناك رغبة في أعماقي تود الظهور ولكنني لم أكن أدرك كنهها ولا حتى ما هي، إلى اليوم الذي تحولت فيه إلى طفل مسرحي، إذن البداية كانت مع مسرح الطفل، حيث أحسست أن هناك شيء بيني وبين المسرح ولم يختف هذا الإحساس إلى اللحظة ولن يختفي· حب مصطفى للمسرح لم يتوان عن حياته أبدا، فقد نسجت علاقات عميقة بينهما إلى درجة أنه قرر بعد تحصله على شهادة البكالوريا إجراء مسابقة للالتحاق بالمعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري ببرج الكيفان، شعبة تمثيل، رغم انه درس الصناعة الميكانيكية في الثانوية ويقول عن ذلك بعد ظفري بشهادة البكالوريا، تيقنت أن مساري لا يمكن له أن يختلف عن الفن الرابع، كما أن الموهبة لا تكفي لوحدها إذ يجب أن يصاحبها التكوين، لهذا أجريت مسابقة تخصص تمثيل في المعهد الخاص لذلك· ويستطرد لم يكن الأمر سهلا أمام معارضة عائلتي لهذا الحب، وأقول أيضا لهذا القدر، حتى زملائي ورفاقي الذين كانوا معي في مسرح الطفل، عارضوا اختياري، فبالنسبة للكثيرين، المسرح مجرد متعة وإضحاك الناس وليس مسيرة احترافية، ولكنني استطعت والحمد لله أن أقنعهم بالمغزى الحقيقي للفن، وبالأخص الفن الرابع، رغم أن رفض عائلتي في البداية دليل على الوضعية غير المريحة للمسرح في بلدنا· مصطفى يدرك تماما أنه من غير الممكن أن تكون للمسرحي الجزائري حياة لائقة، باعتماده فقط على ما يمكن أن يجنيه من عمله المسرحي، لهذا وهو في الرابعة قسم تمثيل، سيجبر يوما ما على إتمام دراسته في الميكانيك، لكن هذا لا يعني أبدا تخليه عن غذائه الروحي "المسرح" ، فللحياة دروبها التي لا يمكن للإنسان أحيانا اجتنابها· وفي هذا السياق، يتناول مصطفى واقع الفن بسوريا التي يمكن لمسرحييها أن يسدوا نقص العمل المسرحي بالمشاركة في التلفزيون والسينما، بينما في الجزائر نشتكي أيضا من فراغ رهيب في مجالي السينما والتلفزيون، مما يدفع بالفنان إلى التفكير جديا في اختيار مهنة أخرى تكون مصاحبة للفن حتى يضمن حياة لائقة· وعن أهمية المسرح في حياة المواطن، يؤكد صفراني أن المسرح هو بدوره عضو فعّال في المجتمع وأن على الفنان مهمة إبراز الرسالة الحقيقية للفن، فالمسرح حسبه، مهم من خلال اختيار العمل الذي يخدم المجتمع، وكذا بتشكيله طبقة مثقفة تعمل على تغيير ما يجب تغييره، لهذا - يضيف المتحدث - يجب أن لا تعرض الأعمال المسرحية إلا بعد مرورها على لجنة مختصة حتى لا يظهر على الركح إلا الرحيق الطيب الذي يعبق الأجواء بأجمل الروائح العطرة· ويؤكد مصطفى أيضا على أهمية أن لا يتوقف المسرحي عن الأداء، فهو كالرياضي الذي لا يجب أن يتخلى عن التدريبات حتى لا يفقد لياقته البدنية، فالفن الرابع لا يجب أن يحيا بالمناسبات، بل من الضروري أن يكون مستمرا وأن يصبو نحو النوعية، على عكس ما حدث في تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007، حيث حضر الكم وغابت في جلها النوعية حسب المتحدث· ولكن ماذا أضفى المسرح على شخصية مصطفى صفراني، وهنا يجيب عندما تقتحم الفن الرابع بالتأكيد تصبح شخصا مغايرا، ومختلفا في تفكيرك ورؤاك، فتتحول إلى إنسان أكثر تفتحا على المجتمع وتحاول أن تكتشف الأشياء المبهمة، المسرح أيضا يدفعك إلى أن تكون فردا فعالا في المجتمع من خلال إضفاء أشياء مهمة له، بالمقابل تغرس فيك مهمة النضال من أجل فنك وتصحيح الاعتقادات السائدة عن الفن في وسط الناس، علاوة على أنك ستصبو إلى الاحترافية، نعم الفن الرابع يغيّر من تفكيرك ومفهومك، رغم أن الفن صعب جدا، فهو ليس بالعلوم الدقيقة، فالفنان قد يقدم إبداعا قد لا يرى حتى بالعين المجردة، بل يدرك بالإحساس· ورغم أن مصطفى حديث العهد بعالم المسرح الاحترافي، فقد مثل شخصية هيروسترات في المسرحية التي تحمل نفس العنوان، تأليف الكاتب الروسي غريغوري غورين وإخراج حيدر بن حسين، وكان أداؤه جيدا بشهادة كل من رأه، وعن هذا يقول دور هيروسترات كان صعبا علي، فهو الأول من نوعه وأحسست كثيرا بثقل المسؤولية، ولكنني كنت قد شاركت في الورشة التي أطرّها الفنان المسرحي العراقي محمد قاسم، وبحق أفادتني كثيرا ومهدت لي الطريق لتحضير الشخصية، والبداية كانت من تحليل الشخصية من الناحية البدنية والنفسية وفهم مركزه الاجتماعي والإجابة على كل الأسئلة التي تطرح على البال، وانطلقت في التدريبات بصورة رسمية واستغرقت مدة شهرين فقط وكانت بالنسبة لي متقمص شخصية مركبة غير كافية، إلا أنني ومن خلال الجولة التي قامت بها الفرقة في كل من الجنوب والشرق والغرب، استطعت التعرف أكثر على أخطائي وإعادة التفكير في بعض المشاهد، والارتكاز على تفاصيل أخرى ككيفية تفكير هيروسترات على الخشبة وتعامله مع كل شخصية التي كانت تتوافد عليه وكلها تحمل طباعا مختلفة· بالمقابل، لم يستطع مصطفى التوفيق بين الدراسة والقيام بهذه الجولة، وهو ما منعه من المشاركة في العرض المسرحي الذي يقام في السنة الأخيرة للتخرج، إلا أن المسرحي الواعد يرى أن مسرحية هيروسترات كانت بالنسبة إليه عرض التخرج وخطوة نحو الاحتراف، رغم انه يلح على أن الاحتراف لا يعني دراسة المسرح وتلقي أجرا شهريا، بل مسألة ضمير، أي كيفية تعامل هذا الممثل مع العمل والمخرج وزملائه من الممثلين· مضيفا أن هناك الكثير ممن يدعون الاحترافية، ولكنهم لا يجيدون مبادئ الاحتراف كاحترام وقت التمرينات مثلا· للإشارة، مصطفى صفراني من مواليد سنة 1985، على أبواب التخرج من المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري ببرج الكيفان، قسم تمثيل، مثل دور البطولة في مسرحية " هيروسترات " التي قدمت في "تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007 "، عرض عليه الأستاذ الهادي بوكرش مؤخرا تمثيل شخصية كاسيو من مسرحية عطيل لشكسيبر ، يكره النمطية ويبحث دائما عن الأدوار التي تفجر طاقاته، وهو ما فعله في العروض التدريبية في الدراسة·· منوها في ذاك بعمل بعض الأساتذة في الرفع من مستوى الفن الرابع، كالاستاذ محمد خودي، وقد قام في الآونة الأخيرة بمهمة مساعد مخرج في مسرحية "الصوت الأصفر " إخراج الكيلاني هارون·