بدأت السلطات الانتقالية المالية والوسطاء المعنيون بإنهاء حالة الانسداد الدستوري في هذا البلد في رحلة مضنية لتشكيل حكومة وفاق وطني كخطوة أولى ضمن سلسلة ترتيبات تبقى ضرورية للعودة إلى الحياة الدستورية العادية. ولأجل ذلك انتقل الوزير الأول المالي الانتقالي شيخ موديبو ديارا، أمس، إلى العاصمة البوركينابية للقاء الرئيس بليز كامباوري الوسيط الجهوي المكلف بتسوية هذه الأزمة، حيث سلمه "خارطة طريق" على أمل إقناع فعاليات المجتمع المالي للانخراط في مسعاه للخروج من أزمة متعددة الجوانب والأطراف. وكان روؤساء دول منظمة غرب إفريقيا في قمتهم الأخيرة في السابع من الشهر الجاري قد طالبوا الحكومة الانتقالية في باماكو بتسليمهم خطة سياسية في نفس الوقت الذي سلموها مطالبهم لمساعدتها على تحقيق تقدم على طريق الحل السياسي لأزمة اقترنت بأزمة أمنية حادة. وكان ديارا قد حل بالعاصمة واغادوغو غداة خطاب ألقاه في باماكو وطمأن فيه مواطني بلده على قرب موعد تشكيل حكومة وحدة وطنية كما طالب بذلك قادة دول "الايكواس". وهو نفس الشرط الذي رفعه قادة الدول والحكومات الإفريقية المشاركين في قمة الاتحاد الإفريقي التاسعة عشر أول أمس بالعاصمة الإثيوبية بقناعة أن ذلك يبقى أمرا ضروريا لاتخاذ قرارات عملية ويتعين على باماكو الموافقة عليها ومنها فكرة إرسال قوة إفريقية مشتركة إلى هذا البلد لإعادة استتباب الأوضاع في شماله الذي خضعت ولاياته الثلاثة لسيطرة تنظيمات إسلامية متطرفة. ويكون الوزير الأول الانتقالي المالي قد دخل في سباق ضد الساعة حتى يكون مع موعد نهاية الشهر الجاري الذي حددته منظمة "الايكواس" كآخر أجل لتشكيل الحكومة الانتقالية إذا كانت ترغب في تفادي الوقوع تحت طائلة عقوبات تعتزم فرضها على مالي. ويبدو أن هذه المهمة تبقى صعبة إن لم نقل مستحيلة إذا أخذنا بعين الاعتبار قصر مدة هذه المهلة وأيضا صعوبة تجميع كل فعاليات المجتمع المالي تحت سقف حكومة وحدة وطنية في ظل العلاقة المتوترة بين الحكومة الحالية والانقلابيين الذين أطاحوا بنظام الرئيس أمادو توماني توري من جهة وبينها وبين الانفصاليين التوارق في الشمال والذين أعلنوا استقلال ولايات شمال البلاد. لكن الإشكالية الكبرى في المعضلة المالية تبقى دون شك كيفية التعاطي مع الجماعات والتنظيمات الإسلامية المسلحة التي أصبحت رقما فاعلا في معادلة تعددت أطرافها بعد أن تمكنت من طرد مقاتلي الحركة الوطنية لتحرير الأزواد الترقية بعد معارك دامية وبسطت سيطرتها على ولايات غاو وتومبوكتو وكيدال وهي ترفض كل انسحاب لعناصرها منها. وأصبح هذا الوجود بمثابة مأزق حقيقي أمام كل حل ومقاربة سياسية كانت أو عسكرية بعد أن أبدت رفضا قاطعا لكل فكرة لمغادرة هذه الولايات وذهبت إلى حد تحدي الكل بأنها ستقاتل بكل ما أوتيت من قوة لمنع دحرها من معاقلها الجديدة. واستمدت هذه التنظيمات الإرهابية قوة موقفها من مواقف السكان الذين ما انفكوا يبدون مخاوف متزايدة من دفعهم الثمن في اقتتال سيكونون وقوده قبل قوات الجانبين. لكن الوزير الأول المالي الانتقالي الذي كشف عن حوار وطني لتشكيل الحكومة أكد -من جهة أخرى- أن بلاده "تستعد لكل الخيارات" لاسترداد شمال مالي الذي سقط بين أيدي المتطرفين وقال إنه ينتظر اقتراحات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بناء على نتائج زيارة لجنة تقنية عسكرية إلى باماكو -مؤخرا-. يذكر أن منظمة ايكواس طالبت بأن تقدم السلطات المالية طلبا رسميا لمجلس الأمن في هذا الصدد والحصول على تفويض من الأممالمتحدة للسماح بإرسال قوة عسكرية إقليمية إلى شمال مالي لاسترجاعه من سيطرة الجماعات الإسلامية المسلحة.