ما تأملت يوما خزفيات زميلي الفنان الطاهر ومان وبعض لوحاته المائية إلا وأحسست أنه يجسد حق التجسيد الرؤية الفنية الإسلامية في مجال الفن التشكيلي. أعترف أنه لم يسبق لي أن وقفت تلك الوقفة من الإعجاب حيال الخزفيات التي أبصرت بها هنا وهناك في حياتي في المعارض والمتاحف وفي الكتب التي تستنسخ مثل تلك الإنجازات الفنية الباهرة. في فن الزميل الطاهر ومان الكثير من الرؤية الإسلامية الصافية إلى الفن، وهو بالرغم من تحكمه في أصول الفن التشكيلي العالمي، يقبس قبساته من الموضوع الإسلامي بصورة عامة، ومن القرآن الكريم بخاصة. الألوان التي يستخدمها ذات شفافية مذهلة، خاصة منها الألوان الزرقاء بمختلف تشكيلاتها وتدرجاتها، والألوان البنية القهوية وما يدور في أفلاكها من ألوان فرعية أخرى. أذكر أنني طلبت منه في داره أن يقوم بعرض خزفياته على الدوام في متحف جزائري لأنه يكاد يكون الفنان الوحيد الذي توغل في مثل هذا الفن الرائق الجميل. وأنا اليوم أستذكر تلك الخزفيات، قلت في نفسي إن الفنانين التشكيليين المسلمين على اختلاف نزعاتهم هم أول من دخل عالم الفن التجريدي بحق. نرى ذلك في المساجد، وفي الزليج الذي يزين بعض الدور، بل وذلك الذي يزين بعض القبور عندنا في المغرب العربي. وأقول مرة ثانية لنفس هذا الفنان التشكيلي المسلم، أي الفنان الطاهر ومان، لقد عرفت بصورة تلقائية كيف تجند قدراتك الفنية من أجل أن تظل داخل نطاق الرؤية الإسلامية إلى الفن دون أن تتعداها إلى تجسيدات فنية أخرى قد تنال من هذه الرؤية بالذات. منذ أن عمد الفنان الطاهر ومان إلى وضع غلاف روايتي الأولى "طيور في الظهيرة" في عام 1976، ومرورا بمجموعتي القصصية الأولى "جراد البحر"، ثم روايتي "دم الغزال"، وهو يبحر في نطاق فنه برؤية إسلامية موضوعية فيها الكثير من جوانب الإبداع الذي يصب ضمن هذه الرؤية بالذات. وكنت أتمنى لو أن الفنان الطاهر ومان عمد إلى معالجة فنون الخط العربي بمختلف تشكيلاته. لو أنه فعل لكان أبدع أيما إبداع. هذا إن هو لم يقم بمثل هذا العمل سرا في بيته. قدرته الفنية الإبداعية وقدرات غيره من الفنانين الذين يحذون حذوه هي التي تجعلني أفهم سبب عكوف أصحاب النثر العربي على فنهم لأنهم أدركوا منذ البدايات أن النثر أشبه ما يكون بأدوات الفن التشكيلي، بمعنى أنه يمكنهم من التصوير، ومن اجتياز حدود ما هو متعارف عليه ضمن الفنانين كلهم، دون أن يعمدوا إلى الأخذ بأسباب الفن التصويري في أساليبهم. وكذلك يفعل الفنان الطاهر ومان في جميع ما ينجزه من خزفيات ومن ألواح مائية ومعالجات فنية أخرى قد لا أعرف عنها شيئا لأنها تكتمل في داره وبمفرده. ها أنذا أستذكر خزفياته الخارقة، تلك التي عرضها في كبريات معارض الدنيا، مشرقا ومغربا، ولم يطلع عليها الإنسان الجزائري إلا في حالات نادرة. أتمنى أن يواصل السير على هذا الدرب الجميل ويكشف لنا عن كنوز أخرى في نطاق فنه.