عرف الفن التشكيلي في الجزائر بروز عدة فنانات تشكيليات جزائريات برعن في تسجيل مئات اللوحات الخالدة، الناطقة عن سحر البيئة ومدى أصالتها وثرائها المتميز، ما جعل أبرز المستشرقين والرسامين الغربيين ينبهرون بثراء البيئة الاجتماعية الإسلامية، بالرغم من أن الفن التشكيلي في بلادنا لم يحظ بالمكانة اللائقة التي يستحقها لأسباب عديدة ومتشابكة أبرزها الاستعمار وما خلفه من عوائق فكرية. ومن بين النساء الجزائريات الرائدات في تأسيس الفن التشكيلي نذكر على وجه الخصوص، "باية محي الدين" تلك التي لفتت أنظار المهتمين بالفن بباريس وأصبحت ظاهرة تشكيلية متفردة، من خلال أسلوبها المتميز بالعفوية الطفولية، وأيضا "عائشة حداد" الفنانة ذات الصيت العالمي، وغيرهن من النساء اللواتي سجلن حضورهن من خلال ولوجهن مدارس مختلفة، وضمن رؤية فنية تجلى فيها حس الفنانة باللون والحركة والخيال أمثال "سهلية بن بحار" و"فالنتينا غانم" و"جميلة بنت محمد" و"قاسي زاهية محي الدين" وأسماء أخرى اختارت لنفسها طابعا إبداعيا متميزا كتناول الحرف العربي والهندسة الزخرفية المتشابكة، إلى جانب تصوير المساجد، والأحياء الشعبية سعيا منهن للتعبير عن هويتهن وانتمائهن الوطني. ولمعرفة واقع بعض الفنانات التشكيليات قامت "الأمة العربية" برصد آرائهن حول الحركة التشكيلية ببلدنا. حفيظة ميمي: "النظرة الذكورية القاصرة للمرأة المبدعة حال دون بروزها" ترى الفنانة التشكلية "حفيظة ميمي" المختصة في الرسم الواقعي ونصف التجريدي والنحت أن الحركة التشكيلية ببلادنا بخير، خاصة مع وجود نهضة ثقافية بدأت تهتم بالفنون التشكيلية، وقالت بأن الإبداع الحقيقي يأتي من الرغبة الداخلية والإرادة، مع توفير المناخ الخارجي ليسمو ويبرز في الساحة التشكيلية وهذا من خلال فرض أنفسهم بإقامة المعارض والاحتكاك مع مختلف الفنانين التشكيليين. وأضافت أن من بين المواضيع التي تستهويها مواضيع المرأة والطفل في لوحات تفيض بالدلالات والإيحاءات المختلفة، ومن بين العراقيل التي تعترضها كمبدعة النظرة الذكورية القاصرة للمرأة المبدعة التي حالت دون بروزها. آسيا نوال قورمالة: "تقصير الإعلام تجاه الفنانات التشكيليات" أوضحت الفنانة التشكيلية وأستاذة الرسم "آسيا نوال قورمالة" أنها تميل أكثر إلى المدرسة الواقعية باعتبارها هي الانطلاقة الأساسية لأي فنان، بحيث تركز في رسوماتها على معالجة التقاليد الجزائرية، المشاكل الاجتماعية، باستخدام تقنيات مختلفة كالألوان المائية والزيتية، قصاصات الورق الصغيرة الحجم، وتقنية الرمل، وغيرها لإبراز الواقع في فسيفساء فنية، تبوح بالحركة من خلال الألوان المتداخلة والمتناغمة. وأرجعت المتحدثة عدم بروز الفنانات التشكيليات لقصور الإعلام الذي لا يسعى لتشجيع الإبداع والمواهب الخلاّقة، وعليه دعت إلى ضرورة أن يلعب الإعلام دوره لإبراز ما تمتلكه أنامل المبدعين والمبدعات وهو ما اعتبرته يضاهي الأعمال العالمية، لاسيما المرأة الجزائرية المبدعة التي قالت عنها إنها شجاعة ومعطاءة وتبدع دوما مهما كانت الظروف غير مواتية. صليحة خليفي: "على المبدعين التمسك بموهبتهم وتحدي كل العوائق" من جهتها، أبرزت الفنانة التشكيلية "صليحة خليفي" أن إبداعها في الخط العربي وصولا إلى الخط اللهيبي الذي تنتهي حروفه بألسنة النار هو تجسيد للمعاناة التي عاشها الشعب الجزائري مند الأزل، والتي تحمل في لوحاتها معاني لقيم إنسانية من تسامح، صبر، حوار، حرية، عمل، وغيرها، مدعمة بألغاز وآيات قرآنية ورموز أمازيغية تنم عن عمق الإرث الثقافي والحضاري الإسلامي. وبشأن ظروف الإبداع، دعت إلى ضرورة التمسك بالموهبة، والصبر والصمود في مواصلة جهودهم رغم كل العوائق من أجل النهوض بالثقافة والفن الجزائري والحفاظ على حضارتنا والثراء الثقافي. وأضافت أن الفنان لابد أن يعطي ولا ينتظر مقابلاً لأن الفن إبداع وليس تجارة. في الأخير نقول إن الفن التشكيلي رغم اختلاف مدارسه يبقى هو نتاج تفاعل حركة الفن والثقافة والبيئة بالمجتمع، هذا التفاعل المرتبط بمدى درجة ومستوى وعي الفرد بالثقافة.